18 ديسمبر، 2024 11:19 م

تشرين عاشوراء… والثأر من دجلة

تشرين عاشوراء… والثأر من دجلة

يبدو ان كوميديا القوى السياسية في مسرحية “خداع” عباد الله وصلت نهاية فصولها بعد احتراق اخر اوراقها باستغلال احياء ذكرى عاشوراء واستشهاد الامام الحسين بن علي وال بيته (عليهم السلام)، فتلك القضية “العادلة” التي جعلتها القوى السياسية في سنوات ما بعد 2003، وسيلة دعائية لمشاريعها وحجة لتمسكها بالسلطة، من خلال ربط تلك الشعائر بتواجدها على الساحة السياسية وكانها صاحبة الفضل باستذكار مصيبة ال بيت النبي (عليهم السلام)، وايصال صورة بان استمرار تلك الشعائر لا يمكن من دون تجديد البيعة لها في كل موسم انتخابات.

لكن.. ونحن نعيش ايام عاشوراء اختلفت القصة كثيرا واصبحت الشعائر تقام تحت عنوانها الذي استشهد الامام الحسين من اجله، وهي “كلمة حق عند سلطان جائر”، التي أعاد شهداء تشرين ترديدها بوجه الظالمين من زعامات العملية السياسية الذين “استباحوا” الدماء والحرمات حينما شاركوا بقتل اكثر من 700 شاب، رفضوا الخضوع لوجودهم غير الشرعي في السلطة، كما فعلها ابى الاحرار، حينما رفض مبايعة “مغتصب” الحكم في عهده، لتكون الصورة اكثر وضوحا، بتواجد متظاهري تشرين ضمن مواكب المعزين المشاركين بمواساة ال بيت النبي بمصابهم، حينما رفعوا صور شهداء الاحتجاجات داخل ضريح الامام الحسين واخيه العباس، ودمجهم القصائد الحسينية التي تستذكر واقعة الطف، بهتافات تنتقد السلطة والاحزاب الحاكمة وجميع القوى السياسية التي “سمعت بقتل الناشطين ورضيت به”، لتجد من يهتف بعبارات حزينة كلماتها من اللهجة الشعبية تقول “الما لحك بالطف يحسين لحك بالكاتم” في تجسيد ينقل صورة عن اساليب قمع الصوت الرافض للظلم، لكن بادوات مختلفة فمشهد الطف كانت السيوف والرماح تقطع اجساد ال بيت النبي واصحابهم، وفي احتجاجات تشرين تحولت الات القمع الى اسلحة كاتمة للصوت وقناصة هشمت رؤوس الشباب.

وضمن مايحسب لشعائر محرم لهذا العام، غياب مواكب الاحزاب السياسية في محافظات ذي قار وميسان والبصرة، وبعض محافظات الفرات الاوسط، التي كانت خلال السنوات السابقة تشكل حضورا ينافس مواكب الخدمة التي يقيمها المواطنون من اصحاب التبرعات او المؤسسات المرتبطة بالمراقد الدينية، والتي كانت تشاهد على جوانب الطرق في كربلاء وجميع المحافظات المؤدية اليها، سواء من جهة الشرق او الشمال او الغرب او الجنوب، ليكون البديل عنها مواكب احتجاجات تشرين التي يقودها شباب من المتظاهرين وعوائل الشهداء، لتشكل مواكب صادقة في التعبير عن الظليمة، وليست “استعراض” لغايات سياسية، انتهت جميعها “بصمود” الشباب المطالبين بالحقوق والراغبين بالتغيير لازاحة ظلم القوى السياسية وتذكيرهم بان كراسي حكمهم لن تدوم، وان الظلم سيعجل برحيلهم حتى لو بعد حين.

نعم… عاشوراء مابعد تشرين يختلف كثيرا عن عاشوراء ما قبله، فمشاركة محتجي تشرين باحياء الشعائر، افقدت القوى السياسية صوابها ودفعتها للبحث عن قضية تغطي على فضيحتها بعد اكتشاف استغلالها لهذه التجمهر المليوني فلم تجد سوى تحريك ادواتها لاحراق مقر فضائية دجلة في العاصمة بغداد، بحجة اساءتها للامام الحسين عن طريق فضائية “دجلة طرب” المتخصصة بعرض الاغاني وليس فضائية دجلة العامة، التي اخطأت بعرض الاغاني ليلة العاشر من محرم الحرام، لكنها لم تتعمد الاساءة، لنجد المئات يتجمعون عند بوابتها قبل الدخول لمقرها واحراقه بالكامل بعد تحطيم جميع محتوياته، في رسالة واضحة بان القضية ليست “نصرة” للامام الحسين (عليه السلام)، انما للثأر من دجلة لتغطيتها احتجاجات تشرين، وورقة لشحن رصيد القوى السياسية التي خسرت بطاقة استغلال المواكب والمنابر للضحك على “عباد الله”، لكن.. الامور لم تجري بما تشتهي تلك الجهات فسرعان ما انقلب السحر على الساحر، لتتحول القضية بدلا من انتقاد “دجلة طرب” إلى وضع العديد من علامات الاستفهام عن مفهوم العيش المشترك وحرية التعبير لوسائل الاعلام، ودليل لا يقبل الشك بان تعهدات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي باعادة هيبة الدولة، مجرد “جعجعة فارغة”، اثبتتها وقوف القوات الامنية للتفرج على احراق مقر الفضائية.

الخلاصة… ان عاشوراء تشرين الثوري خرج من ايدي شيعة السلطة ولن يعود لها بعد نهضة جيل من الشباب يؤمن بالجود بالنفس في سبيل الحرية واسقاط الظالمين على ذات الطريقة التي سار عليها ابى الاحرار، وهذا ما يجعل تنازلهم عن حقوقهم امر صعب لا يمكن تحقيقه حتى لو استمرت الحكومة بالتخلي عن تحقيق مطالبهم، وهذا ماقد يدفع الطرف الخاسر للبحث عن طرق اخرى حتى لو وصلت القضية لاعادة الاقتتال الطائفي باستخدام “البسطاء”… اخيرا… بماذا يفكر قادة شيعة السلطة بعد هزيمتهم في عاشوراء؟…