23 ديسمبر، 2024 3:44 م

تسعون عاما على ميلاد رسول حمزاتوف

تسعون عاما على ميلاد رسول حمزاتوف

تخطط جمهورية داغستان في روسيا الاتحادية – حكومة وشعبا – للاحتفال بالذكرى التسعين لميلاد الشاعر الداغستاني الكبير رسول حمزاتوف في 3 ايلول / سبتمبر 2013,اذ انه ولد في هذا اليوم من عام 1923, وقد أصدر رئيس جمهورية داغستان أمرا رئاسيا بتسمية عام 2013 بعام رسول حمزاتوف وطلب من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الاحتفال بهذه المناسبة يوم 3 ايلول / سبتمبر, ولكن هذا الامر الرئاسي لم ينعكس على عموم روسيا بشكل عام, وانما بقي في اطار جمهورية داغستان ليس الا, ومع ذلك فقد أثارت هذه المناسبة احاديث كثيرة هنا وهناك عن حمزاتوف ومكانته في تاريخ الادب السوفيتي في القرن العشرين, فقد اشار بعض الباحثين الى انه كان شاعر السلطة السوفيتية, وانها لذلك اغدقت عليه الاوسمة والمداليات والتكريمات , لانه كان داعية لافكارها السياسية والايديولوجية , وان ذلك ابتدأ منذ عام 1952 عندما حصل على جائزة ستالين واستمرٌ في هذا النهج الى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991,وانه لم يستطع بعد ذلك مواصلة مسيرته الساطعة تلك, ولكن هذه الافكار بشكل عام لا تعكس آراء الاكثرية من محبي حمزاتوف وانصاره,الذين أخذوا يتحدثون عن دوره المتميٌز في مسيرة الادب السوفيتي و مساهمته المتنوعة في تطويره ومكانته التي شغلها داخل روسيا وخارجها, ويتذكرون مواقفه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عندما اعلن بصراحة عن عدم موافقته لانفصال داغستان عن روسيا كما كان يدعو القوميون الداغستان وقال كلمته المشهورة آنذاك – ( لم تدخل داغستان في روسيا بمحض ارادتها ولكنها لن تخرج منها بمحض ارادتها ايضا ).
مساهمة في الاحتفالات بتسعينية الشاعر الداغستاني السوفيتي الكبير
نقدم للقراء فيما يأتي مقاطع من حوار اجرته مع رسول حمزاتوف الصحفية الداغستانية مارينا اخمدوفا ونشرته في الملحق الادبي – ( داغستان الادبي) الذي تصدره جريدة ( برافدا داغستان )وذلك بتاريخ 27 شباط / فبراير عام 2002 علما ان حمزاتوف توفي في تشرين الثاني / نوفمبر عام 2003 عن عمر ناهز الثمانين , ويعتبر هذا الحوار واحدا من اواخر لقاءات حمزاتوف مع ا لصحفيين , هذا وقد أجرت الصحفية الحوار المذكور يوم 14 شباط/ فبراير 2002 بعد اجتماع في اتحاد ادباء داغستان مع الادباء الشباب , وكان حمزاتوف آنذاك رئيسا لاتحاد الادباء.
+++++++++

س – ما هي انطباعاتكم حول هذا اللقاء؟ وماذا يمكنكم ان تتمنوه للشباب , الذي قرر ان يربط مصيره بالادب ؟
رسول حمزاتوف – منذ زمن بعيد اردنا ان ننظم في اتحاد الادباء هذا اللقاء مع الشباب المبدع, اذ لا يمكن لاي أدب ان يتطور دون تهيئة البدائل من الجيل الجديد , وقد حددنا هذا اللقاء يوم 14 شباط / فبراير بالذات  في يوم فالنتاين المقدس – رمزيا – اي في عيد الحب ,عيد العشاق , لأن الشعر دون الحب يصبح بلا معنى. الحب هو مصدر الالهام للشعر.
عندما تحدثت قبل فترة وجيزة لمناسبة مرور 100 سنة على تاسيس الاتصالات في داغستان, اعلنت ان الشعراء والادباء هم الاختصاصيون الاوائل , الذين يوحدون قلوب البشر دون اسلاك الهواتف ووسائل الاتصالات والهوائيات الاخرى, وتوجد عند الادباء الشباب ايضا فرصة في هذا المجال , اي توحيد قلوب الناس بواسطة ابداعهم.
خلال السنوات العشر الاخيرة فقد الناس عندنا اللغة المشتركة بينهم , وكانوا يستخدمون الشتائم ليس الا, لكن الان , في بداية القرن الحادي والعشرين الجديد ظهر عندنا اخيرا الامل بالاستقرار والتفاهم المتبادل والمشترك ,واخذت الحياة الروحية والثقافية تنهض من جديد , والادباء الشباب يجب الا يقفوا بمعزل عن هذه الظواهر الايجابية . لقد بدأت الدولة  تولي اهتمامها نحو الادب بعد انقطاع طويل ,وساندت رئاسة الجمهورية اتحاد الادباء , والذي بدوره اعاد من جديد ( صندوق دعم الادب ) ومكتب الدعاية للادب الفني والمتحف الادبي , واستطعنا ان نقيم في العام الماضي الندوة العامة للادباء الشباب والمؤتمر العاشر لادباء داغستان وايام الادب الروسي , واصدر اتحادنا بالتنسيق مع دور النشر الداغستانية مجموعة تضم نتاجات الادباء الشباب بعنوان – ( قوس قزح), واخيرا بدأ بالصدور ملحق الادب لجريدة ( برافدا داغستان )وبشكل منتظم تحت عنوان –(داغستان الادبي ) , والذي يتضمن حقلا خاصا اسمه – ( اسماء جديدة ) , حيث ينشر دائما نتاجات الادباء الشباب الجدد ويكتب عنها ويعلق عليها النقاد والادباء . توجد الان عند اكثر الشباب امكانية النشر وتعريف القارئ بنتاجاتهم , وهذه كلها مكتسبات كبيرة , ونحن نستطيع الان ان نلاحظ بوادر الموهبة والعبقرية منذ خطواتها الاولى.
س – في اللقاء جرى الحديث بان اكثرية الادباء الشباب في داغستان يكتبون باللغة الروسية , حتى هؤلاء الذين يتقنون لغاتهم القومية. ما هي علاقتكم تجاه هذه النزعات والاتجاهات, الا يهدد ذلك الاداب القومية وتطورها في داغستان ؟
رسول حمزاتوف – لا يمكن اجبار الكاتب بشأن اللغة التي يجب عليه ان يكتب بها . من اجل ان تكون داغستانيا , ليس حتما ان تلد في داغستان وتكتب بواحدة من اللغات الداغستانية . الداغستاني الحقيقي هو ذاك الذي يعشق من كل روحه وقلبه هذه الارض . ليرمنتوف وتولستوي لم يكونا داغستانيين بالولادة, لكنهما مجٌدا داغستان بمثل هذا الحب , بحيث انهما حازا على ذلك الحق الذي يمكن ان نسميهما داغستانيين اكثر من بعض مواطنيننا. ان الادب – ببساطة – يمكن ان يكون جيدا او سيئا, عبقريا او بلا موهبة . ومع هذا, فان الادباء الشباب في داغستان يجب ان يبحثوا بعمق في جذور ثقافتهم القومية وادابها , ويمكنهم الكتابة بلغتهم او بلغتين و يمكنهم الاستعانة بالمترجمين . اليوم اي ادب يمكن ان يهدده شئ واحد فقط وهو- عدم اهتمام القراء به, وهذا هو ما يجب ان نخشاه فعلا.
س – تم في اللقاء ايضا طرح موضوع الترجمة الادبية , كيف تقيٌمون الوضع الحالي في هذا المجال الابداعي ؟
رسول حمزاتوف – مع الاسف, الادباء الشباب اليوم لا يولون اهمية لذلك ولا يمارسون الترجمة الادبية, رغم انها مهمة جدا للادب الداغستاني. الى حد الآن يوجد في ثنايا الادب الداغستاني الكثير من النتاجات الرائعة لشعراء داغستان وكتٌابها غير مترجمة الى اللغة الروسية , وكل هذا الارث الادبي الجميل ينتظر مترجميه العباقرة. انا لست متفقا مع الرأي السائد عندنا وهو ان الترجمة الادبية – قضية غير مجدية , اذ ان الترجمات الشعرية التي تم انجازها بشكل فني وعبقري تصدح بشكل جديد وتحمل في اعماقها قوة اللغتين وتفاعل الثقافتين , اي انها تغني في نفس الوقت المؤلف والمترجم, وتجعل الروابط بينهما وثيقة ومحكمة وابدية , فعندما نقرأ – مثلا – سوناتات شكسبير بترجمة الشاعر الروسي مارشاك, فاننا لا نفكر بان المؤلف كان عبقريا والمترجم موهوبا في مجال الترجمة ليس الا, بالنسبة لنا مهم شئ آخر وهو – النتيجة الساطعة والمدهشة لهذا التفاعل والتعاون الابداعي المشترك بين الاثنين.
س – اي قيم يمكن ان تحددونها للادباء الشباب اليوم في داغستان ؟  
رسول حمزاتوف – يجب عليهم ان ينطلقوا من احساس مقدس بعدم الرضا عن النفس. من المهم جدا لاي اديب , وخصوصا للمبتدئين منهم, ان يكون لديهم النقد الذاتي الصارم تجاه انفسهم وابداعهم . لم يطلق اي اديب عظيم على نفسه صفة العظيم او العبقري. العبقرية والعظمة – هما صفتان يطلقها الزمن فقط. في كل الازمنة , عندما يصبح الكاتب كبيرا في ابداعه تزداد متطلباته ونقده الذاتي تجاه نفسه وابداعه , وتوجد الكثير من الامثلة في الادب الروسي نفسه حول ذلك , ويكفي ان نتذكر الكاتب العظيم غوغول الذي احرق الجزء الثاني من روايته المشهورة – ( الارواح الميتة ) لأنه لم يكن راضيا عنها . ان الكاتب الحقيقي الاصيل يجب عليه, قبل ان يقدٌم ابداعه امام محكمة القارئ, ان يقٌيم هو نفسه ابداعه بشكل انتقادي صارم ودون تحٌيز وبهدوء, اذ ان العجلة هنا ليست مقبولة بتاتا. الكاتب – ليس صحفيا, والذي يجب عليه ان يقدم قبل صدور العدد المحدد للمطبوع المادة جاهزة وفي وقتها ,الكاتب يجب عليه التأني وتدقيق كل كلمة من كلمات ابداعه, اذ ان كل نتاج ابداعي جديد – هو دائما بحث عن شئ – ما افضل لم يقله احد سابقا, شئ مهم وضروري… اليوم, الكثير من الشعراء والادباء لا يخجلون من ان يعلنوا عن انفسهم بانهم عباقرة وعظماء, ويقارنون انفسهم بالادباء الكلاسيكين الكبار في كل زمان ولدى كل الشعوب, ان تعابير  ( هوميروس القرن الحادي والعشرين) او ( ليرمنتوف داغستان ), والتي استمعت اليها حول بعض الشعراء, يجب – على ما أرى – ان تخدشالسمع لهؤلاء بالذات قبل غيرهم. ان هذه المقارنات ممكنة فقط للمزاح ليس الا. بعض الاحيان يطلقون علي كلمة ( عظيم) او يقولونها لي, وهذه الاشياء تسئ الي , بل تهينني. ان تقييم الاجيال القادمة فقط هي التي يمكن فعلا ان ( تعظم) او (تحطم) كل ما نكتبه نحن اليوم…
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++

نختتم هذه المقالة بتقديم ترجمة لاحدى قصائد رسول حمزاتوف التي نظن انها غير مترجمة الى العربية حسب علمنا المتواضع, وقد اخترناها بالذات لطرافة عنوانها  اولا,و  لمضمونها ثانيا والذي  يتناغم وينسجم مع تلك الافكار التي طرحها الشاعر الداغستاني الكبير في حوار اعلاه .

الى الشاعر الذي أجاب عندما قالوا له بضرورة ان يتعلم, ان هوميروسنا سليمان ستالسكي كان اميٌا ايضا

لا تلح بالامثلة-
فليس كل العميان –
هوميروس….ون,
وليس كل الطرشان –
بيتهوفن….ون,
وليس كل العرجان –
حجي مراد ….ون,
وليس كل الطيور
من ذوي الريش-
نسور…