18 ديسمبر، 2024 6:27 م

تسريبات المالكي ومستقبل العملية السياسية!

تسريبات المالكي ومستقبل العملية السياسية!

تتداخل في حياة الشعوب والدول في المراحل الحرجة الحوادث الكبرى التي تتعلق بمصير البلاد وأهلها، وترسم حاضرها ومستقبلها، وقد تكون من بين تلك الحوادث فتن تكاد تكون ماحية وقاضية للحاضر والمستقبل.
ويعاني العراق منذ سنوات من حوادث متنوعة تُهدد أمن الوطن والمواطن، ولكن يبدو أن تلك الحوادث صارت في الفترات الأخيرة، عبارة عن تحركات ومحاولات لضرب هذا الطرف السياسي، أو ذاك من داخل المطبخ السياسي، ومن بين أدوات الضرب المباشرة وغير المباشرة التسريبات الصوتية والصورية التي تظهر بين حين وآخر.
ومنذ أسبوعين تقريبا بدأت تسريبات صوتية تُنشر عبر تويتر منسوبة لنوري لمالكي زعيم دولة القانون ورئيس الوزراء الأسبق، ورئيس تحالف الإطار التنسيقي، وهذه التسريبات صارت تُنشر تباعا على حساب تويتر للمدون العراقي علي فاضل والمقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبدأت التسريبات يوم 13 تموز/ يوليو 2022، وقد تضمنت العديد من الاتهامات التي يكيلها المالكي لبعض السياسيين القريبين والبعيدين.
وسرّبت التسجيلات بتوقيت مهم وكبير كونها جاءت قبل يومين من خطبة التيار الصدري الموحدة (الجمعة 15 تموز/ يوليو 2022) وقد تضمن التسريب الأول العديد من الملفات وفي مقدمتها أن” مقتدى الصدر صهيوني حاقد، وهو ألعوبة بيد مسعود البرزاني والمخابرات البريطانية وهي تستخدم الصدر وبعدها سُيقتل الصدر ويستلم السنة الحكم، وأن مقتدى جاهز للذبح والصلخ ضد الفصائل، وأن مقتدى عاشق للدم والأموال والزعامة ويعتقد بنفسه انه الإمام المهدي”!
وتساءل المالكي في تسجيله المسرّب: “كم قتل مقتدى الصدر من بغداد؟، وخطف بسيارات البطة (تويوتا كراون، وهي معروفة بين العراقيين بتسمية البطة)”.
واتهم المالكي في التسريبات مقتدى الصدر” بالخيانة، وتلقي أتباعه التدريبات من بريطانيا، وأنه لا بد من التصدي لهذا المشروع سياسيا وعسكريا، ووصف أتباع الصدر بأنهم جبناء، وسبق أن انتصر عليهم وحده بإمكانيات ضعيفة للدولة في وقت كانت إيران تدعم الصدر بالصواريخ، لأنها كانت تريده أن يكون مثل زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله”.
وفي الجزء الثاني يؤكد المالكي قضية خطيرة تتعلق بأنه أراد ” جعل الحشد الشعبي مشابهاً للحرس الثوري الإيراني”!
فيما تناول الجزء الثالث من التسريب أن الصدر لديه عشرة آلاف من المقاتلين الوهميين (الفضائيين)، ومنظمة بدر لديهم ما بين ٣٠-٤٠ ألف اسم من المقاتلين الوهميين في الفصائل العسكرية (الحشد الشعبي)!
وتطرق الجزء الرابع من التسجيل المُسرب إلى أن” المرحلة القادمة هي مرحلة قتال وسأهجم على (النجف) من أجل قتال مقتدى الصدر، وقد أبلغت الكاظمي أني لا أثق لا بجيشك ولا بشرطتك وإنما أنا سأقوم بتسليح نفسي وأُقاتل ولدينا دبابات ومدرعات ومُسيرات”!
وتناول التسريب الخامس أنه ” يجب إراقة الدماء في العراق بموافقة مراجع وقيادات وبها شرعية، وأن الفتح والكتائب والعصائب وسيد الشهداء وبدر تابعين لإيران، وأن قادة الحشد لا يهمهم شيء غير المزارع والأموال وهم بعالم آخر”!
وهكذا هي وتيرة التسريب السادس الذي نشر ليلة الخميس 21/تموز يوليو 2022 وأشار فيه المالكي إلى أن ” المرجعية صامتة وليست لها علاقة ولا كأن الحدث سيقلب الطاولة عليهم وعلينا وعلى التشيع، وأن اجتماعات الإطار مخترقة وكلها تصل لمحمد الحلبوسي”!
وتدلل التسريبات، وبالذات بعد نشر التسجيل كاملا ليلة الجمعة 21 تموز/ يوليو 2022، على حالة التناحر بين الفرقاء السياسيين، ولاحظنا أن المالكي قد تطرق لغالبية الشخصيات التي لديه خلافات ظاهرة وباطنة معهم، وفي مقدمتهم التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني وغيرهما.
وأحدثت تلك التسريبات ضجة كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي، وقد أكد بعض الإعلاميين صحة التسجيلات الصوتية، وبأنها غير مفبركة أو مرتبة.
وقد جعلت التسريبات شركاء العملية السياسية يضرب بعضهم بعضا، ففي الوقت الذي أكد فيه الصدر خلال خطبة الجمعة الموحدة لأتباعه منتصف تموز/ يوليو الحالي بأن: “لا يكترثوا بالتسريبات، فنحن لا نقيم له وزنا”، وهي إشارة واضحة للتسريبات، نجد أن المالكي نفى التسريبات جملة وتفصيلا.
ومع ترقب المزيد من التسريبات لشخصيات عدا المالكي دخل الصدر على الخط من جديد وفاجأ الجميع بتغريدة نارية، وطالب فيها، الاثنين 18/7/2022، القيادات المتحالفة مع المالكي، “بإصدار بيان مشترك لاستنكار ما ورد في التسريبات منسوبة للمالكي” وفي ختام التغريدة نصح المالكي ” بالاعتكاف واعتزال العمل السياسي أو تسليم نفسه ومن يلوذ به من الفاسدين إلى الجهات القضائية..”.
وتأتي تسريبات المالكي في مرحلة سياسية وأمنية هشة جدا، حيث إن القوى السياسية فشلت، وبعد تسعة أشهر على انتهاء الانتخابات البرلمانية، في التوصل لاتفاق واضح حول شخصية رئيس الجمهورية وشكل الحكومة المقبلة ورئيسها، وأيضا مع تنامي الغضب الشعبي في عموم البلاد بسبب نقص الخدمات والكهرباء وحتى المياه الصالحة للشرب!
ومع جميع المعطيات القائمة والانغلاق السياسي قد يكون لهذه التسريبات تداعيات واضحة، وربما، ستغير شكل المشهد السياسي العام في البلاد، وبالذات مع التسريبات التي تتحدث عن أن الإطار التنسيقي يترقب لحسم اسم المرشح لرئاسة الجمهورية من الجانب الكردي، وفي حال عدم التوافق الكردي على شخصية رئيس الجمهورية، فسيتم الذهاب إلى تكرار سيناريو العام 2018 وذلك بطرح الأسماء المرشحة داخل مجلس النواب، ليُحْسم المرشح للرئاسة عبر تصويت أعضاء المجلس.
وهنالك الآن توافقات كبيرة تتعلق بحسم ملف مرشح رئاسة الحكومة المقبلة في بداية الأسبوع القادم، وأن المرشحين للمنصب قُلصوا إلى ثلاثة أسماء فقط داخل الإطار التنسيقي، وقد اتفقت قيادات الإطار على دعم الحكومة المقبلة بمهمتها، وبأنها ستكون حكومة خدمات وحلّ للأزمات.
وبهذا لاحظنا أنه ووفقا لهذه التطورات الجديدة والمتنامية أن الإطار التنسيقي يعمل مع القوى السياسية التابعة له، وبعجالة، وربما بضغط من المالكي وعبر تقديم تنازلات كبيرة منه لبقية الشركاء، على حسم ملف رئاسة الجمهورية، وأيضا إنهاء ملف رئاسة الحكومة القادمة!
ورغم هذه التسريبات المتعلقة بترتيب المشهد السياسي خلال الأسبوع القادم، والتي يُراد منها تطمين الشركاء، وإرسال رسالة اطمئنان للشارع الغاضب من الفوضى العامة في البلاد لكن لا أظن أن هذه الرسائل كافية لبسط الأمان والاستقرار في الشارع العراقي.
وفي تقديري، وبعيدا عن تسريبات المالكي الصوتية، ستبقى قضية الخلافات بين الصدر والمالكي هي الفيصل في شكل المشهد السياسي العراقي ومستقبله، وبالذات مع تأكيدات الصدر المتكررة بأن انسحابه من البرلمان لا يعني عدم مراقبة المشهد السياسي العام في البلاد!
ولا ندري هل سيستسلم الصدر في قابل الأيام للواقع السياسي الجديد وللحكومة المرتقبة، أم أنه سيتخذ من تسريبات المالكي حجة لتحريك الشارع الصدري والثأر من المالكي والسيطرة على الحكم في العراق؟