أستهلال : تعتقد / بل تؤمن ، جماعات الأسلام السياسي / ومعظم المنظرين المسلمين ، بأن الدول يجب أن تحكم بشرع الله ، ولكن التساؤل : هل من مهام الله القدسية وضع أحكاما ألهية لتحكم بها الدول / خاصة الأسلامية منها ؟ ، وكيف لهذه الأحكام أن تطبق على دول تختلف حضاريا وثقافيا ومجتمعيا وتقاليديا .. بعضها عن البعض الأخر ! . هذا ما سأبحثه في هذا المقال .
الموضوع : في هذا الصدد أورد مقتطفات من مقال د . عمادالدين خيتي / موقع المجلس الأسلامي السوري ، عن مفهوم الحكم بما أنزل الله ( الحكم بما أنزل الله يعني : أن تكون الشريعة الإسلامية منطلَق المجتمع المسلم والإنسان في جميع شؤون حياته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها ، وحاكمة على جميع أحواله ومرجعه في كل أموره كما قال تعالى : ” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ” (الأنعام :162 – 163 ) . الحكم بما أنزل الله يعني التعبد لله في كل شأن من شؤون الحياة : للفرد والأسرة والمجتمع والدولة فيدخل فيه : إقامة الصلوات وإعمار المساجد وإتاحة الدعوة إلى الله وتعليم دينه وبيان الأحكام الشرعية في مختلف المجالات ورفع الظلم وإعادة الحقوق إلى أصحابها وحفظ الأمن ومحاربة الفساد بجميع صوره ورعاية أمور الناس في أموالهم ومصالحهم وفض النزاعات . الحكم بما أنزل الله يعني إقامة الدين الذي رضيه الله ، وأوصى به أنبياءه ، قال القاضي ابن العربي في “أحكام القرآن” عند قوله تعالى : ” شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ” (الشوري:13) “وكأن المعنى : و وصيناك يا محمد ونوحاً ديناً واحداً يعني في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة وهي : التوحيد ، والصلاة ، والزكاة والصيام ، والحج ، والتقرب إلى الله تعالى بصالح الأعمال .. والصدق ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وتحريم الكفر ، والقتل ، والزنا .. ) .
القراءة : أولا – الموضوع يتحدث عن مجتمع أسلامي ، ويقدم نصوصا قرآنية في كيفية حكمه ، بما أنزل الله على قرآن محمد من أحكام ، التساؤل : (1) هل من أحكام كتاب نزل قبل 14 قرنا أن تطبق أحكامه على مجتمعات الزمن الحالي ! . وهل يوجد مجتمع أسلامي تام مغلق . (2) هل المجتمعات الأسلامية في البلدان العربية / على سبيل المثال ، لها ذات الأعراف والتقاليد والتحضر .. ، بالطبع لا ، ففي تونس المجتمع الأسلامي غيره في السودان ، لذا لا يوجد تطابق ولا يوجد أي تماثل بين المجتمعين . فكيف تطبق ذات الأحكام . (3) المجتمعات الأسلامية ، تختلف مذهبيا بعضها عن بعض ، وحتى وأن كانت تدين بذات المعتقد . وما ينطبق على السعودية لا يمكن أن ينطبق على أيران .
ثانيا – نرجع قليلا للأحكام الشرعية ، مثلا ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .. / 38 سورة المائدة ) ، فهل بالأمكان الأن أن نقطع يد السارق ، في قطر يعاني من الأضطرابات والفقر كالصومال . وكذلك بالنسبة لفعل الزنى ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ .. / 2 سورة النور ) فهل الجلد يعتبر الأن عقابا حضاريا ، وهل هذا هو الحل ، وهل ما كان يعتبر زنى قبل 14 قرنا ، يعتبر زنى في الزمن الحالي . وذات الأمر ينطبق أيضا على قطع الرقاب .. وغير ذلك .
ثالثا – ولو فرضنا جدلا أمكانية تطبيق الشرع الأسلامي على دولة معينة ، فما هو حال مجتمعات باقي المعتقدات الاخرى في نفس ذاك البلد ! / كالمسيحيين واليهود والصابئة واللادينيين .. فهل من المنطق تطبيق شرع المسلمين على مجتمعات لا تدين بالأسلام ! . وبذات الصدد لا بد لنا أن نقول أن الأسلام ليس واحدا ، فهناك الكثير من المذاهب والفرق والطوائف ، التي تختلف في تطبيقاتها المعتقدية مع بعضها البعض .
أضاءة : هل الله حاكم أم معبود ، وهل الله يلزم أو يوصي بنصوصه أن تشرع أحكاما للعباد ، أم أن الله وجد لكي يعبد بنصوص العبادات ، كالصوم والصلاة والزكاة و .. ، وأذا كان الأمر كذلك / أي أن الله حاكما ، لأصدر حكام البلاد الأسلامية أحكاما تتوافق مع الشريعة الأسلامية ، ويمكن أن يصل أو يتطور الوضع بالحكام أن يقدسوا من خلال أحكامهم الأسلامية ، أو أن يمجدوهم على أقل تقدير / بفتوى من فقهاء السلاطين !! ، ويصبح شأنهم كشأن الله ، بأعتبارهم ظل الله على الأرض ( ” السلطان ظل الله في الأرض” هذا الحديث رُوي من مرسل كثير بن مرة ومن حديث عبد الله بن عمر وعمر بن الخطاب وأبي بكرة نفيع بن الحارث وأبي هريرة وأنس بن مالك ، ورُوي موقوفا على حذيفة بن اليمان ) .. خلاصة الأمر : أن الله براء من أن تكون نصوصه الشرعية – القرآن / الذي وجد قبل 14 قرنا في مجتمع جاهلي قبلي بدائي ، أن يحكم بها الحكام مجتمعات عالم اليوم المتحضر ! ، ومن جانب أخر ، ولا يمكن أن تحكم المجتمعات ألا بالقوانين المدنية .