تتحدث مصادر سياسية عن ” أزرار” جديدة لفك شفرة الجدل السياسي و انهاء طلاسم الانتخابات و أخواتها، و تحديدا الأهم منها و هي رئاسة الوزراء ، حيث يتم تسريب نصف الحقيقة عبر الاعلان عن ” ارقام فلكية ” للفائزين من مختلف الكيانات، بينما يتم انضاج فكرة مرشح تسوية ” مقبول” ليكون بديلا عن المالكي في المرحلة المقبلة، بتأييد اقليمي و رضا أمريكي، فيما تحول جدل التزوير الانتخابي الى حوار طرشان يزكم الأنوف ، ويؤسس لمرحلة قلق جديدة، حيث تكتشفت نوايا الفردية و التسلط و نهاية فكرة التداول السلمي للسلطة.
وليس في الأمر مفاجأة فواشنطن تسترق السمع في كل الاتجاهات و ترسل اشارات ليزرية للتحذير مرة ولتهدئة المخاوف في جوانب أخرى من لعبة جر الحبل بين الكتل السياسية، التي أضافت مفارقة جديدة للوضع العراقي من خلال اعلان الفوز الجماعي و التزوير المباح بسلطة المال و النفوذ، ما أسدل الستار على الحقائق بطريقة لا تختلف كثيرا عن مفاجئات الانبار بين ذبح الفلوجة و ” قمع” الحلول العقلانية، حيث يرى كل فريق المشكلة من زاوية حرجة، ما أشاع فوضى القتل و الخراب واحتقان النفوس.
لا نعرف ماذا يريد السياسيون و لماذا تناخوا الى ” مجزرة “الانتخابات، التي شككوا بطهارة ارقامها قبل جفاف الحبر البنفسجي، بينما تقف الأمم المتحدة على الحياد رغم أنها مازالت الوصي على سيادة البلاد و المتبقي من شرعية للعملية السياسية، التي لم تنضج طالما يتصارع عليها سلاطين خلافات متجددة!، لذلك سندخل مرحلة الشد و الجذب بعد ساعات فكل فريق يجر الحبل الى صناديقه، بينما يقول آخرون أن كلمة المرور موجوة في واشنطن!!وفي الحالتين لن تكون الاقام سيدة الموقف حيث تستنسخ تجربة عام 2010 بنفس اللاعبين و الاتهامات.
أشد ما نخشاه أن تضيق عقول المتناحرين حد التوقف عن التفكير السليم، لتعود الكرة الى منتصف ملعب عام 2006 يوم أعلنوا الحرب على حكومة الجعفري و لم يحسبوا مفاجئات ما بعد ذلك، حتى أن سياسيا كان مناهضا حد العظم لبقاء الجعفري يتاسف اليوم على عناده، لأن الأخير، وعندما تكاثرت عليه السكاكين قرر التوقيع على بياض لشروط خصومه ، بينما وصل المالكي سدة الرئاسة بدون أي توافق سياسي، لأن ” العم” زلماي خليل زاد قدمه على طبق من ذهب الى ادارة بوش التي لم تكن راضية عن تردد الجعفري و سجالاته السياسية المملة، وافتقاره الى تجربة الادارة وقتئذ، رغم أنهم جميعا في قارب واحد، انه عدم امتلاك سجل وظيفي في الدولة العراقية بنسبة80%.
أخطر مشاكل العراق فلسفة ادارة شؤون الدولة بسرية مكتسبة من طريقة تعامل المعارضة السابقة مع الملفات السياسية و الحزبية، فالغموض سيد الموقف و الاسماء المستعارة ما زالت خصوصية عراقية رغم مرور 11 سنة على تجربة سياسية لم تبلغ مرحلة الفطام بعد، لذلك تحاط الحرب في الانبار بغموض يدفع الى قبول أو تبني كل الاجتهادات بما فيها بيع القضية بصفقة انتخابية، و تقديم الفلوجة قربانا لتشكيل الحكومة المقبلة، ما يعطي صورة واضحة عن القدرة على تقديم الضحايا من أجل الفوز بسنوات حكم تطفو على دم الأبرياء.
ما ألعنها هذه المهنة و ما اسوء نتائجها، حيث اتفق البعض على سيناريو مخابراتي تم انضاجه خارج العراق ويقول ان المتشددين من أصحاب الفكر الجهادي سيكسبون الساحة بسبب ظلم الحكومة و ضبابية سياساتها ، وأنهم سيؤسسون لفتنة كبيرة، تفوت على اللاعبين الاحتياط فكرة الوصول الى الملعب ، فنشأت تحالفات من رحم الخوف، فيما حذر آخرون من قتال بين الطوائف وخسارة مواقع فسال عندها لعاب المنافقين، ليسهلوا الوقوع في المحظور، سيما و أن المواطن ضاق ذرعا بكل أشكال التطرف فوجد نفسه أول ضحاياه ، بسبب لعبة المصالح بين السياسيين و تجار الحروب ، الذين يحصدون الغنائم الحكومية و رؤوس المواطنين بلا حياء!!ما يعني أن الحكومة الجديدة ستكون صفقة” كبار” لا نتائج صناديق اقتراع، و من هنا تبدء رحلة الفشل الاضافي، بغض النظر عن شعار المرحلة المقبلة!
لسنا من بين المتشائمين بقناعات جاهزة، بل من فريق يزداد قناعة بأن الاصرار على تغييب المشروع الوطني يعني المراهنة على سلطة الفشل و النهب و خرق القانون و اللاخوف على وحدة الوطن وأهله!!، بطريقة لا تختلف كثيرا عن فتح مياه الفرات لدفن أثار الفتنة و الخراب و ممرات و مسالك المسلحين القادمين من سوريا و ايران، انها صفقة معيبة الرابح و الخاسر فيها أحادي الاتجاه و النرجسية ، ما يعيد كرة الخيانة الى منتصف الملعب من جديد، بينما ستظهر حيتان جديدة تأكل ما أمامها و خلفها، ليبقى المواطن ضحية حسابات غير المؤمنين بقضاء الله و قدره!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]