انتشرت قبل فترة إشاعات قوية ومتعددة، سواء على مستوى الشارع العام، أو مستوى الصالونات السياسية، أو مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، بأن سورية سوف تشهد تغييرات كبيرة وشاملة بمختلف المواقع القيادية العليا، بالإضافة إلى حدوث تغيير حكومي شامل.
وانتشرت هذه التوقعات كالهشيم في النار، وبدأ الجميع وخصوصاً من له مصلحة بالتغييرات من الطامحين إلى كراسي السلطة وعلى أحر من الجمر بتعداد الأيام وتمنوا تسريعها ، لعل وعسى أن يناله من الحظ نصيب، وربما بعض هذه التكهنات كانت صحيحة، بأن هناك توجه لدى القيادة السياسية إلى إجراء تغييرات كبيرة للمواقع القيادية العليا في الدولة السورية بهدف ضخ دماء جديدة وتنشيط الإدارة التي قد أصابها بعض التكلس.
إن خطوة تغيير الحكومة بالكامل، كانت مؤجلة لما بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سورية ، إلا أن الأوضاع الراهنة، وتنامي حالة الغضب ضد سوء الأحوال المعيشية بمحافظة السويداء بالتزامن مع الأزمات الحياتية التي يعيشها المواطن السوري، كانقطاع الكهرباء على سبيل المثال، طرحت تشجيع تلك الرؤية للتوصل إلى حلول عملية تخفف من وطأة الأزمة.
وليست هذه أول مرة يثار فيها موضوع التغيير الحكومي، إذ اعتاد السوريين على ذلك في الحكومات السابقة لامتصاص غضب الشارع والتخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي، فيبدو ظاهرياً وكأنه جاء فعلاً نتيجة المردودية الضعيفة والحصيلة الهزيلة لقطاعات الوزراء في ظل أزمات متوالية متعلقة بالقطاعين الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة الى اخفاقات من هون وهناك بملفات الاقتصاد او الصحة.
إن المواطن السوري لم يلمس أي تغيير في الوضع مع تغير الحكومات والوزراء خلال العقد الأخير، وبالتالي فإن الحديث عن تغيير حكومي أو تعديل وزاري على حكومة السيد حسين عرنوس لن يجدي نفعا في حال استمرّ النهج الحالي في اختيار الحكومات وعدم منحها الولاية العامة، حيث سنبقى ندور في حلقة مفرغة طالما أنه لا يوجد هناك رؤية وطنية جامعة، أو رقابة أو محاسبة أو مساءلة حقيقية.
وفي المقابل، لا يزال هناك “امتحان الشارع” الغاضب من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والمجتمعية وسوء الخدمات وانخفاض الدخول وتدهور القيمة الشرائية لليرة السورية وانهيار سعر الصرف، وينبغي أن نسأل الآن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال، هل أتت ساعة الحسم للإطاحة بالمسؤولين الفاشلين في حكومة عرنوس؟
أعتقد أن موضوع التعديلات الوزارية في حكومة عرنوس لا جدوى منها، لأن هناك ثلاثة مستويات لأي وزارة يجب أن نفرق بينها، وهي: هل الوزارة تمثل سياسة وزير أم سياسة وزارة؟ والفارق بينهما كبير؟ أم إنها تمثل رؤية ضمن منظومة لمنهاج وزاري يحدد لها من قبل رئاسة الوزراء؟
وعلى الطرف الأخر، إن التغيير الذي سيحصل في الأيام القادمة يهدف إلى اقحام كفاءات جديدة سيعطى دفعاً جديداً للأداء الحكومي بما يستجيب لتطلعات المواطنين خلال السنوات المقبلة سيما في القطاعات الاقتصادية والقطاعات التي لم تكن في مستوى التطلعات، ومن هنا يرى المتتبع للشأن العام الوطني، أن التعديل الحكومي الذي ربما تأجل لعدة مرات، أصبح اليوم ضروري وذو مغزى اقتصادي وتبرير سياسي.
مجملاً… إن التعديل الحكومي أصبح أمرا طبيعيا في النظام السياسي السوري وليس استثناء كونه في أغلب الأحيان يكون استجابة لمستجدات داخلية او إقليمية او دولية تقتضي تغيير بعض الوزراء لأسباب مهمة موجبة للتعديل ، ومن اهم هذه الأسباب ان التعديل يمنح الحكومة مرونة كبيرة للاقتراب من الرأي العام ونبض الشارع، واستجابة لرفع مستوى اداء بعض الوزارات من خلال تغيير وزرائها.
ومن هنا لن تنجح الحكومة الجديدة إلا إذا نجحنا نحن في تنظيم أنفسنا وفى أداء عملنا وساعدناها حتى تساعدنا، لننهي عصر الواسطات والمحسوبيات والهدر في المال العام وتهميش وحرمان الكفاءات من الفرص، والالتفاف على القوانين إرضاء للمصالح الشخصية التي تضر بمصلحة الوطن والمواطن, وندخل الى عصر المشاركة في بناء الوطن ورقيه.
من الضروري أن نختار المستقبل وليس الماضي، وأن نختار لأنفسنا ولأبنائنا وأحفادنا التقدم وليس الرجوع إلى الوراء، ومن المتصور أن ننشغل هذه الأيام في الصورة الجديدة للحكومة القادمة ومواصفاتها، وماذا نريد منها، وكيف تبني مؤسسات قوية وجديدة؟، وأن يكون أمامها مهام محددة معلنة وفق برنامج زمني تمثل عقداً إجتماعياً بينها وبين الشعب تنتقل بسورية إلى مكانة جديدة جديرة بها في المنطقة والعالم وتحقق أحلام المواطنين.
بالتالي إن الشعب السوري ينتظر حكومة غير تقليدية في إيجاد الحلول لمشاكل وقضايا المواطنين، حكومة بكفاءات وطنية تتحدث بفهم الأوطان في إدارة شؤون الدولة حكومة تؤمن بالأفعال لا بالأقوال، ولا نتطلع بأن تحدث المعجزات أو إن الحكومة الجديدة تحمل عصا سيدنا موسى عليه السلام ، وإنما العمل ضمن خطة عمل إنقاذية واضحة نستطيع من خلالها الوصول إلى الأهداف الحقيقية من نمو وتطوير في ظل الأزمة الحالية.
وأخيراً ووفقا للمستجدات الراهنة فان الموقف من الحكومة قد بات محصوراً بين سيناريوهين أساسيين، إما تعديل حكومي واسع أو تغيير حكومي شامل، وكافة السيناريوهات قائمة إما بحكومة جديدة أو تعديل منهجي شامل على الحكومة، ومن هنا ينتظر السوريون التغيير الحكومي لأنهم يريدون حكومة تفهم استراتيجية سوريا تجاه قضايا الشعب وتعمل لخدمة حاضره ومستقبله