23 ديسمبر، 2024 12:25 ص

ترميم البيت الشيعي… حمالة حطب

ترميم البيت الشيعي… حمالة حطب

يقال في الامثال القديمة “اذا اردت ان تهدم مرحاضا بسبب رائحته الكريهة فلا تبني المرحاض الجديد بنفس الطابوق القديم”، والسبب واضح لان النتيجة بالنهاية ستكون معروفة مِن خلال الاساس الذي استخدم في ذلك البناء، فلا يمكن استخدام الادوات ذاتها التي انتجت الخراب في عملية الاصلاح، مهما كان ثمنها او كثر عددها، فالنهاية ستكون معروفة بتكرار الاخطاء ذاتها، لذلك نجد ان عملية التغيير لا يمكن ان تنجح مِن دون استئصال اسباب الفشل مِن جذورها او على الاقل منعها مِن العودة لممارسة دورها في الخراب.
تذكرت كلمات المثل خلال مراجعة تغريدة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر التي دعا فيها إلى اعادة ترميم البيت الشيعي الذي قاد الحكومات المتعاقبة منذ العام 2003، باسماء مختلفة، لكن اساسها يعود لمقترح قدمه زعيم المؤتمر الوطني الراحل احمد الجلبي، ليؤسس بعدها المجلس السياسي الشيعي، وبدلا مِن جعل تلك التشكيلات منطلقا لايجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها “عُبَّاد الله” حتى وان كانت للمواطن مِن المكون الشيعي، اصبحت وسيلة لتوحيد خطاب القوى السياسية الشيعية لتحقيق مصالحها فقط، لينتج عن ذلك البيت، الائتلاف الوطني وبعده التحالف الوطني، الذين فشلا ايضا في ايجاد هدف موحد يجمع مكوناتهما، لاسباب معروفة ابرزها، صراع العوائل داخل تلك التحالفات، فال الحكيم يَرَى بانه الممثل الشرعي للمكون الشيعي وكذلك ال الصدر الذي يؤكد زعيم التيار السيد مقتدى الصدر في جميع خطاباته بانه يمثل المذهب ولا يمكن تجاوزه، في حين يتمسك حزب الدعوة باعتباره صاحب الحق بالدافع عن قضايا المكون لانه وريث المرجع محمد باقر الصدر.
وعلى الرغم من ذلك الفشل الذي تحقق خلال السنوات الماضية بوجود “البيت الشيعي” الذي حاولت القوى السياسية مغادرته في انتخابات 2018، للبحث عن بديل “يجمل صورتها” ويبعد صفة الطائفية عنها مِن خلال ايجاد تحالفات اطلق عليها في حينها “عابرة للطائفية” التي كانت صيغة اخرى “لممارسة الضحك” على الذقون، والغريب بان اول مِن دعا لهذه الصيغة في التحالفات هو زعيم التيار الصدري الذي عاد، لينقلب على نفسه بالدعوة لترميم ذلك البيت “المتهالك”، ليخبرنا خلال تغريدته بان الهدف من عملية الترميم “كتابة ميثاق شرف عقائدي واخر سياسي ترفع فيه راية لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله، بمنهج اصلاح وحدوي نزيه بلا فاسدين ولا تبعيين”، والسبب كما فسرها السيد الصدر وجود “تعدي واضح ووقح ضد الله ودينه ورسوله واوليائه مِن قبل ثلة صبيان لا وعي لهم ولا ورع تحاول مِن خلاله تشويه سمعة ثورة الاصلاح والدين والمذهب”، وكالعادة اتهم السيد الصدر مِن وصفهم بالصبيان بالحصول على دعم خارجي وداخلي تقدمه “قوى الشر”، كما يقول في التغريدته التي اضافت تناقضا جديدا في سلسلة مواقف زعيم التيار المتناقضة، فبمراجعة بسيطة تسجل دعوات سابقة لنبذ التجمعات الطائفية وضرورة ايجاد من يمثل جميع المكونات ومنها تغريدة في شهر ايار مِن العام 2018، ردا على دعوات المحاصصة في تشكيل الحكومة في وقتها قائلا.. “أنا مقتدى، شيعي في العُلا، سني الصدى، مسيحي الشذى، صابئي الرؤى، إيزيدي الوَلا، إسلامي المنتهى، مدني النُهى، عربي القنى، كوردي السنا، آشوري الدُنى، تركماني المُنى، كلداني الفني، شبكي الذُرى، عراقي أنا، فلا تتوقعوا مني أي تخندق طائفي يعيد لنا الردى ويجدد العِدى.. بل نحو تحالف عراقي شامل، وتلك هي البشرى ولن نتنازل عن ذلك طول المدى”، لكن العبارة الاخيرة التي تتحدث عن طول المدى يبدو انها لم تستمر لمدة عامين في حسابات السيد الصدر حتى ظهر خطابه الجديد الذي يدعو للتخندقات الطائفية مرة اخرى.
لكن.. لا اعلم كيف للسيد الصدر ان يتحدث بهذه الثقة عن ترميم البيت الشيعي، وهو يدرك جيدا بان اغلب قيادات القوى الشيعية ترى فيه الشخص “الطامع بالسلطة” على حساب الاخرين، اضافة لمواقفه التي لا يمكن التنبؤ بمتغيراتها، فهل يعقل ان يجعل زعيم دولة القانون نوري المالكي ثقته بالسيد الصدر على الرغم من الخلاف المستمر بينهما منذ سنوات، والاتهامات المتكررة التي يوجهها التيار الصدري بين فترة واخرى للمالكي وحزب الدعوة، ولعل “صولة الفرسان” اكبر دليل لا يمكن تجاهله عن حجم تلك الخلافات، واذا كان بين المالكي والسيد الصدر ماصنع الحداد، فان بين الامين العام للعصائب قيس الخزعلي والصدر، قد يجعل جميع محاولات التحالف “غير صالحة”، فصفة “المليشيات الوقحة” التي اصبحت ملاصقة لحركة العصائب اول مِن استخدمها زعيم التيار الصدري الذي دائما مايحملهم مسؤولية التصرفات التي يصفها “بالخارجة عن القانون”، في حين تشكل الخلافات بين منظمة بدر التي يرأسها زعيم تحالف الفتح هادي العامري، قصة لا يمكن تجاهلها وخاصة بعد سنوات العنف الطائفي، حينما احرق التيار الصدري العديد مِن مقار المنظمة التي كانت في حينها تشكل الجناح المسلح للمجلس الاعلى الاسلامي، فهذه لوحدها تشكل عائقا امام مشروع الصدر “الطائفي” حتى وان كانت السياسة “فن الممكن”، فانها ستفشل في هذا الاختبار، بسبب التناقضات، التي شكلت عاملا اساسيا في تجاهل القوى السياسية الشيعية لدعوة ترميم البيت المهدم.
الخلاصة:.. ان جميع تحركات زعيم التيار الصدر تثبت تخوفه مِن شباب تشرين واصرارهم على الاستمرار بالاحتجاجات حتى تحقيق الاصلاحات التي تعيد للوطن “هيبته” وللمواطن حقوقه، لكونها تهدد جميع المكتسبات والمناصب التي حصل عليها التيار الصدري بسبب تهديداته المستمرة للقوى السياسية باستخدام “الضغط الجماهيري” في حال عدم منحه مايرغب مِن الامتيازات الخاصة، وهذا مايفسر استخدام التيار الصدري جميع الاساليب لقمع الاحتجاجات وايجاد الاسباب لانهائها كما حصل في مهاجمة ساحة الحبوبي بمدينة الناصرية، لكن فشل المخطط دفع السيد الصدر للعودة الى “الورقة الطائفية” التي يحاول جعلها حمالة حطب لايقاد نار الفتنة مقابل الاحتفاظ بامتيازاته، اخيرا… السؤال الذي لابد منه…….. متى يدرك الصدر خسارته للمعركة؟..