18 ديسمبر، 2024 7:45 م

يمثل الرمز قيمة عليا في ثقافة أي مجتمع, ينمو ويكبر فيه هذا الرمز.
وتتصل صناعة الرموز باعتبارات عديدة, منها ما هو روحي ديني, ومنها ما هو اسطوري, ومنها ما هو علمي, ومنها ما هو اجتماعي, ومنها ما هو اخلاقي.
غالبا ما كانت الرمزية عند شعوب الارض تتصل بقيم اخلاقية واجتماعية اهمها الشجاعة والشهامة والكرم والعلم وخدمة المجتمع او الزعامة القبلية.
ارتبطت الرمزية الدينية –بصورتها العامة- بالنظرة للإلهة –أيا كان الاله- واسبغت عليه هالات من الصفات الخارقة.
في الاسلام كانت الرمزية تخضع لضوابط صارمة, يرسمها المنهج القرآني, فبعد توحيد الله بكل صفاته الكمالية والجلالية, وانه واجب الوجود, وبعدها الايمان بالنبي العظيم محمد صل الله عليه واله وسلم وعترة الطاهرين تأتي الرمزية بضابطة قرآنية واضحة لا لبس فيها “إن أكرمكم عند الله اتقاكم” ولا فرق بين عربي واعجمي إلا بالتقوى” وكانت هذه الضابطة هي ضابطة الاعتدال في اضافة الصور الرمزية على الافراد, كما وان الاسلام لم يغفل دور الموقع الاجتماعي, وذوي السجاية الكريمة في الاعتداد بهم كرموز متميزين ضمن دائرة التقوى.
كانت رمزية البطولة هي الرمزية الاعلى تقريبا ضمن إطار فسلفة صناعة الرمز, وكانت هذه الرمزية مرتبطة بالقادة العسكريين الى وقت متأخر -بداية القرن العشرين- لذلك اشتهر نابليون ورومل وهتلر ورزفلت وغيرهم من قادة.
كذلك خلال النهضة الاوربية منتصف القرن الثامن عشر, ومع الثورة الصناعية, وبموازاة القادة, برزت الرمزية للعلماء والمفكرين والمخترعين فصار اديسون واينشتاين ونيوتن وكود يير وكراهام بيل وغيرهم نماذج متميزة في المجتمع.
مع التحول الرأس مالي الكبير والاتجاه لإعلاء القيم المادية على القيم الروحية والمعنوية, ما بعد الحرب العالمية الاولى, بدأت تصعد الى السطح رمزية غريبة بعيدة عن القيم والاعتبارات السابقة, فصار الممثلون والمغنون والمهرجون ولاعبو كرة القدم رموزا مجتمعية, فتصدر المشهد شارلي شابلن ومارلين مونرو وبيليه وغيرهم.
هذه الرمزية الجديدة بدأت تتصاعد شيئا فشيئا, الى ان اصبحت شبه عقيدة لدى المجتمع, فغُيِّب عندها دور العلماء, ونُسِيَ المفكرون واُبْعِدَ الفلاسفة وصار الممثل واللاعب هو المتقدم.
كعادة القيم المادية انها تتسافل دوما بمنحى تنازلي, صارت التفاهة حدا لا يطاق في صناعة الرموز, ومع انتشار الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي, اخذ صُناع المحتوى المرئي من يوتيوبرية ومدونين يتصدرون المشهد, وبدأنا نجد صانع محتوى لايفقه شيئا ولا يجيد غير المحتوى التافه, حائزا على المتابعات, وتتلقفه القنوات الفضائية لتقدمه في لقاءات تلفزيونية او زجه في منتجات درامية او اعلانات تجارية.
هذه الرموز التافهة لا تقدم اي شيء للمجتمع, لا على المستوى الثقافي, ولا على المستوى العلمي ولا الاجتماعي ولا الاخلاقي, بل على العكس اخذت هذه الرموز التافهة كل قيم المجتمع معها نحو الهبوط والتسافل.