23 ديسمبر، 2024 12:02 م

ترليون الياسري ونزاهة الدولة !!

ترليون الياسري ونزاهة الدولة !!

أفصح رئيس هيئة النزاهة الدكتور حسن الياسري في مؤتمر صحفي عن استرداد ومنع هدر أكثر من ترليون دينار عراقي خلال عام 2015 مبينا ان ” اوامر القبض القضائية التي اصدرها قضاء النزاهة بناء على القضايا المحالة من الهيئة 2719 امرا، نفذ منها من قبل الجهة المعنية بالتنفيذ أي السلطات التنفيذية 772 امرا، فيما بلغ الاوامر التي لم تنفيذ 1146 امرا، وهنا سؤال موجه إلى تلك الجهات فلسنا مسؤولون نحن والقضاء”.
هذا السؤال الأخطر في اول اعلان من نوعه من قبل جهة رسمية معنية بمنع الفساد ومكافحته، والافصاح عن قيمة المبلغ الذي أوقف هدره او استرجاع يكشفان عدة حقائق كل منها تؤكد على النزاهة هي سياسات عامة للدولة وليس ممارسات رقابية او قضائية ما دامت الدولة بقضها ونقيضها تبتعد عن سلوك النزاهة المجتمعي بمسافة واضحة تحمي الفاسدين والمفسدين من الملاحقة القضائية والسؤال كيف ولماذا ؟؟
يمكن الإجابة على ذلك في القول:
أولا : ليس من الانصاف ان تكون هذه التطبيقات لعام 2015 محسوبة لشخص رئيس هيئة النزاهة لان شخصنة الالتزامات الوظيفية كإنجازات فردية ، يعني العودة الى نموذج الدولة الفاشلة حينما تغيب عنها صفة المؤسساتية ، فهذا انجاز لكل العاملين في هذه الهيئة وليس لرئيسها حصرا ، واذا كان منهاج الياسري المعلن على موقع هيئة النزاهة قد فتح افاق عمل جديدة فان جائزته الأساسية تتمثل في قدراته على قيادة فرق العمل الخاصة بمنع الفساد ومكافحته وهو سباق في هذا المجال رغم ما يتعرض اليه من ضغوط عبر عنها في اكثر من مناسبة ، وهو يكرر ذات العنوان لهذه المقال اذا كان مبلغ الترليون دينار إنجازا لهذه الهيئة ام مجرد تطبيق مؤسساتي لعملها مع دولة لا تفقه مدلولات منع الفساد ومكافحته فيما تطالب بتحقيقه !!
ثانيا : الواضح في صياغة المؤتمر الصحفي وأسلوب طرح الأرقام وتعريف الفوارق ما بين البلاغات والاخبارات والقضايا التحقيقية بان هناك تجاهل مقصود من قبل القائمين على الراي العام في تسويق منهجية العمل التي اعلنها الياسري لعمل هيئة النزاهة وهو يتوكل فيها وليس اصيلا كرئيس مصادق عليه من قبل مجلس النواب وهنا تأتي الرسالة الأكثر اثارة بان حوالي 60 % من أعضاء مجلس النواب فقط قد كشفوا عن ذمتهم المالية مما يجعل البرلمان العراقي الأكثر عرضة لنشاط هذه الهيئة وليس العكس ، في وقت لم يضمن الدستور العراقي لأي جهة رقابية محاسبة أعضاء مجلس النواب بسبب الحصانة البرلمانية ، وهذا مطب قانوني يتطلب ان يتوقف عند الكثير من الأصوات الداعية للإصلاح ، فكل أعضاء مجلس النواب يصدحون بالتصريحات الداعية لمحاربة الفساد ومنعه و40% منهم لم يلتزمون بقانون هيئة النزاهة فاين هي نزاهة الدولة والسلطة التشريعية فيها لا تتعاطى مع التزامات أولية لمحاربة الفساد ومنعه والرقم المعلن لهذا العام يمثل كما يقول الياسري إنجازا ، بسبب المتابعة والالحاح على ” ممثلي الشعب” لإطاعة القانون والكشف عما في ذمتهم المالية وهي اقل بكثير عن ارقام الأعوام الماضية !!
ثالثا : هناك في الفقه الشيعي بعض الأمور التي لا افهمها ، مثال ذلك ما يذكر في اغلب مواقع المراجع ،دام ظلهم ، حول مشروعية اخذ الخمس عن الأموال المخلوطة بالحرام ، واعتقد ، ولا اظن باني على خطأ ، ان هناك ضوابط شرعية تحكم هذا الامر ، لكن ما اجده في عدم التزام الإسلام السياسي ،لاسيما الشيعي، بأحكام الكشف عن الذمة المالية ربما يرجع الى تفسيرات “سياسية لأحكام شرعية ” وتبويبها ضمن مبدأ الخمس على الأموال المخلوطة بالحرام ، ومثل هذه التفسيرات وأكرر” السياسية ” تجعل كبار السراق من الفاسدين والمفسدين أمام استحقاقات اقل ما فيها توضيح مكاتب المراجع الكبار عن حرمة أموال الدولة واهمية الالتزام بأحكام القانون للكشف عن المصالح المالية وهو الامر الذي نسمع به في الدعوة لمحاربة الفساد لكننا لم نشهد أي تفصيل دقيق لموضوع الأموال المخلوطة بالحرام ، وهي الباب الذي يجده البعض ،حسب راي غير فقهي ، بانها المنفذ الكبير للتهرب من احكام النزاهة والاكتفاء بدفع الخمس والسؤال من ذلك الذي يقبل بها ؟؟ الأكيد ليس مراجع النجف الكبار، دام ظلهم الشريف.
رابعا : تنظيم المؤتمر الصحفي بمشاركة المركز العراقي للإعلام الذي يتراسه الدكتور عدنان السراج ، الشخصية المعروفة في دولة القانون ، لابد وان تتفاعل مع إضافات نوعية لتشكيل تحالف اعلامي وطني خارج نطاق الحزبية وأيضا هذا الامر يثيره السيد الياسري مرارا وتكرارا حول استقلاليته السياسية ، مما يفضل ان يكون هذا التحالف الإعلامي من جميع شرائح المجتمع العراقي وبجمع اطيافه وتنوعاته ، بما يؤكد فعلا استقلالية هيئة النزاهة حينها يجب الغيبة عن هذه الهيئة وعن نفسه ، وهناك مرصدا لمكافحة الفساد أسس في نقابة الصحفيين العراقيين يمكن ان يتم تفعليه ويأخذ دوره المناسب في هذا المجال ، سيما مع حضور نقيب الصحفيين اعمال هذا المؤتمر .
خامسا: ما زلت لا افهم كيف ان هيئة النزاهة وهي جهة فيدرالية لا تفرض نفوذها القانوني على إقليم كردستان، فيما يفرض هذا الإقليم نفوذه السياسي والمالي على جميع مفاصل الدولة العراقية، وهذا الامر مربك دستوريا، ويحتاج الى تصريح واضح من رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم بما عرف عنه من شفافية في التعامل مع أحرج الظروف.
سادسا : كفل الفانون حق التقاضي ، ولا اعتقد بان الجهات التنفيذية التي لا تفرض احكام القبض على العدد الأكبر ممن تصدر محكمة تحقيق النزاهة اوامر بالقبض عليهم ، بان تلجأ هيئة النزاهة الى ممارسة دور المحامي العام لأموال الدولة باسم الشعب ومغادرة عقلية الموظف العمومي ، فهناك تجارب عربية ودولية تفرق ما بين الادعاء العام والمحامي العام ، وجميع قضايا الفساد تنقل قضائيا الى المحامي العام المغيب عن القضاء العراقي ، وهو تطور مطلوب بقوة ، وان تمارس هيئة النزاهة هذا الدور ابتداء ، لان منهاج العمل الذي اعلنه الياسري يمكن ان يندرج ضمن مفهوم مبادئ دور المحامي العام ، فيما تبدو تصريحاته في هذا المؤتمر الصحفي وكانه مجرد موظف عمومي ليس باستطاعته مقاضاة الأجهزة التنفيذية على الاخلال بموازين العدالة لمسائلة المفسدين والفاسدين على حد سواء .
يبقى من القول ان هذه الخطوات تؤكد ما سبق وان نشرته في هذا الموقع عن( شروق هلال النزاهة ) عبر تطبيقات يمثل الترليون دينار ما يملأ نصف كاسها الفارغ ، ومطلوب من الجميع مناصرتها بالكلمة الصادقة ونهوض الدليل الاجتماعي المطلوب عن المسائلة الوطنية للفاسدين ، وتظاهرات اليوم واعتصاماتها بالشراكة ما بين التيار المدني والتيار الصدري ،دليل ناهض بان الشعب يريد محاسبة الفاسدين فهناك اكثر من 1000 مليار دولار تم صرفها خلال اقل من 10 أعوام تمثل قيمة موازنات 2005-2014 ، المطلوب اليوم ان تتصاعد وتيرة هذه الخطوات الجريئة بخط بياني يتعامل مع الفساد العمودي للدولة من اجل سؤال يطرحه الشعب عن نزاهة الدولة ككل ويمكن ان يبدأ هذا السؤال بالرئاسات الثلاث ومجلس القضاء الأعلى وهي مهمة ليست سهلة على هيئة النزاهة بمفردها وتحتاج الى ان تعاضد هذه التيارات الوطنية اعملها بالأفعال وليس فقط بالتظاهرات .