ساهمت عملية عسكرية تركية “نبع السلام” شمال شرق سوريا في رص صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية”. وأفادت إدارة الاستخبارات بوزارة الدفاع الأمريكية في تقريرها بأن التنظيم الإرهابي قد كثف نشاطه في سوريا والعراق بالإضافة إلى اكتساب إمكانيات بتنفيذ الهجمات الجديدة في كل أنحاء العالم.
كُتبت الوثيقة بلغة رسمية جافة: “في 9 تشرين الأول/أكتوبر بدأت تركيا العملية البرية والجوية ضد وحدات حماية الشعب الكردية شمال شرق سوريا، مما أدى إلى سلسلة من الأحداث التي أثّرت على عملية “العزم الصلب” ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” فقد أثّرت هذه الأحدث على العلاقات بين الولايات المتحدة والأكراد وقوات سوريا الديمقراطية على حد سواء. استغل التنظيم الإرهابي التوغل التركي وتقلص التواجد العسكري الأمريكي من أجل إعادة رص صفوفه وتعزيز المواقع في سوريا و توسيع أمكانيات الإعداد لهجومات جديدة في الخارج”.
ما تصف الوثيقة على استحياء شديد بـ “التأثير على العلاقات بين الولايات المتحدة والأكراد” كان في الواقع يعتبر على نطاق واسع رفض واشنطن دعم حليفها الرئيسي. ولن ألطف الأكراد ومؤيدوهم في الغرب، على عكس محللين بوزارة الدفاع الأمريكية، بالكلمات وتخلصوا ما حدث في كلمة واحدة: خيانة. من الصعب الاعتراض على هذه الاستدلال لأن التقاعس الأمريكي ترك الأكراد وجها لوجه مع تركيا التي تسرع في اغتنام الفرصة قام بانطلاق العملية العسكرية العنيفة.
قدم دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى ويليام روباك، نائب المبعوث الخاص السابق للرئيس الأمريكي إلى التحالف الدولي، بأشد انتقاد لما حدث. نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مذكرة بعنوان نقوف مكتوفين الأيدي والأتراك يطهرون الأكراد في شمال سوريا ويزعزعون جهودنا ضد “الدولة الإسلامية”، التي أعدها المسؤول الأمريكي، مما أثار مناقشات ساخنة.
فإن مضمون المذكرة تتناسب بشكل كامل مع عنوانها. رغم أن ويليام روباك كان ينتقد الولايات المتحدة بسبب عدم بذلها جهود كافية لمنع التقدم التركي، يلقي الدبلوماسي اللوم عن تلك الأحداث المؤسفة بلا تردد على السلطات التركية. وحسب رأيه، حتى لو اتخذت واشنطن موقعاً أكثراً حسماً، لم يمنع ذلك الرئيس التركي رجب أردوغان من تنفيذ خططه. ولاحظ: “هذا الأمر ليس سهلاً ومن الأرجح أن الجواب عليه هو لا.ولكن لن نعرف بالضبط لأننا لم نحاول”.
وأضاف الدبلوماسي الأمريكي أن عملية “نبع السلام” ليست أكثر من التطهير العرقي الذي يقوده المتطرفون الإسلاميون من ضمن المجموعات المسلحة الموالية لأنقرة. يدل العدد المتزايد من أغتيالات واختطافات المدنيين، بما في ذلك سياسيين ورجال الدين، على صحة هذه المزاعم ولكن لا تزال السلطات التركية قليلة الحياء بل تستغلها من أجل ترويع أهالي شمال شرق سوريا وتجبيرهم على الفرار.
أصبح روبك، إلى جانب المبعوث الخاص إلى التحالف الدولي بريت ماكغورك وعدد من المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون، أحد النقاد الأكثر صخبا لتركيا. وكما هو متوقع، وضعتهم وسائل الإعلام التركية على “قائمة سوداء” من “مؤيدي الإرهابيين” الذين يرفعون صوتهم ضد تركيا.
تقوم السلطات التركية على التوازي مع حملات تشويه باستفادة من خدمات الحلفاء – أو الشخصيات الراغبة في التعاون – مقابل مكافأة معينة. من بين هذه الشخصيات السافر الأمريكي السابق إلى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا جيمس جيفري. ترسل تصريحاته حول “الشواغل المشروعة” لتركيا بنسبة الأمن في المناطق الحدودية وكون وحدات حماية الشعب فرعاً لحزب العمال الكردستاني رسالة واضحة لأنها ليست أكثر من ترديد أراء السلطات التركية.
استخدام البروكسيات في المعارك واستفادة من خدمات جماعات الضغط في البيت الأبيض على خلفية عدم اتساق السياسات الأمريكية: هذا ما سمح تركيا باستفادة إلى أقصى حد من الوضع. ويعزي ذلك إلى حد كبير إلى الجهود الشخصية للرئيس التركي رجب أردوغان.
بعد مكالمة ما أردوغان 6 تشرين الأول/أكتوبر أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قراره (الذي ما تم تحقيقه بعد) بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا ما أعطى تركيا الضوء الأخضر لانطلاق عملية عسكرية ضد الأكراد. رغم أن محاولات ترامب بتقديم هذه الخطوة في ضوء إيجابي ودعم قصة “نرجع جنودنا من هناك”، ساد رأس أخر: معاناة الولايات المتحدة هزيمة مهينة من حليفها تركيا.
كانت الحالة تكرر نفسها خلال زيارة الرئيس التركي إلى واشنطن. رغم تصريحات أمريكية قوية حول شراء تركيا الأسلحة الروسية من بينها صواريخ س – 400 ومقاتلات سو-35، كان الرئيس الأمريكي يبدو مهزوماً لأنه استضاف زعيم الدولة التي تشن الحرب ضد الحليف الأساسي للولايات المتحدة.
إن هناك نتيجة واحدة يمكننا أن نستنتجها. لم تكون تركيا تحت رئاسة أردوغان حليفا للولايات المتحدة بل إنها لا يمكن أبدا أن تكون. يجب التخلي عن أي وهم بشأن هذا. في الحالة الأخرى ستستمر خسارة واشنطن أمام تركيا التي حولت من صديق إلى عدو.