لايريد أحد أن يبقى وطنه ضعيفا خربا تنعق به الغربان وتبول عليه الكلاب فالوطن ليس مرحلة وليس تعريفا يتصل بالأبعاد الزمكانية بل هو مجمل المكونات الشعورية واللاشعورية للتعبير عن الإنتماء والوجود وهناك مسؤوليات عظمى على عاتق من يتولى تنظيم الأوطان وقيادتها وحراكها ورسم أفاقها المستقبلية فليست المسؤولية الإستراحة على كرسي الرئاسة وليست مصافحة كبار الشخصيات أو حفر الأسماء بين تسلسلات الملوك والأباطرة إنما المسؤلية تعني كيف تقود وطنك لبر الأمان وخصوصا في الأوقات الحرجة وهو يعني أن يتفهم المسؤول الأعلى حقيقة قدراته وحقيقة قدرات خصمه وبالتالي يجنح للسلام قبل أن يجنح للقطيعة ولربما الى الحروب ،
هذه المعادلة تقع الأن في صلب النزاعات الإعلاميه مع الجارة التركية وريثة عثمان طغرل بك ومن بعده محمد الفاتح الى سليمان القانوني وفترة الإنحلال التي أعقبت هذا السلطان لحين تشييع الرجل المريض من غرفة الإنعاش ودخول تركيا في عقل ووجدان كمال أتاتورك بعد أن غسل يديه من مؤلفات الرعاية الإسلامية وبدأ النقلات الأولية لتركيا المتحررة من الأوهام والخزاعيل ،
نعتقد هنا أن لابد للمسؤولين العراقيين إدراك الحجم الحقيقي لتركيا خصوصا في المرحلة الحالية والتي يعاني منها العراق من مشاكل جمة بدءا بالتشتت السياسي لمنظومته الى إفتقاره للقوه الرادعة اللازمة الى عدم أستعداد شعبه للدخول في أي مغامرة والتضحية في سبيلها حتى لو كانت مع جيبوتي ،
التصريحات غير الموفقه التي يطلقها البعض من الساسة العراقيين تمس العراقيين أولا قبل أن تمس الجانب التركي لأن المواطن العراقي يعي تماما حجم قدرات دولته ويعي تماما أن مشكلاته الداخليه ومنذ السنوات التسع لم تحل بهذه الطريقة أوتلك أوبالأحرى أن السياسين غير متوافقين على حل المشاكل وبالتالي فأن فتح قناة جديدة للعراك الإعلامي مع تركيا لايخدم سوى التصعيد السلبي في الوضع الداخلي للعراق ،
العراقيون كشعب يحتقرون من يتدخل في شؤونهم ولايرحبون بالنصائح ولكنهم لايرغبون بالقفز فوق الواقع وأستغلال الخلافات الدولية كوجاهة من أجل النوايا الإنتخابية ،
الحقيقة المخيفة أن الجارة تركيا تتفوق بكل شئ على العراق وبالأخص قوتها العسكرية وفيها من وسائل الضغط لاتعد ولاتحصى ويمكن لها أن تشغل العراق وتعكر مزاجه لعشرات السنين بقضية واحدة ليس إلا وهي قضية المياه فكيف بقضايا أخرى مثل التدخل العسكري المباشر في شمال العراق أو قضية كركوك أو التنسيق مع قوى سياسية ودولية ضد التوجهات الحالية للحكومة العراقية ،
المهم للعراق الأن بدلا من التصريحات التي قد تعقد الموقف عليه تنشيط عمله الدبلوماسي بأتجاه دولا أخرى ذات مصالح مشتركة مع العراق وخصوصا الدول الأوربية لمنع جماح التطرف لدى بعض الساسة الأتراك لأستغلال الوضع العراقي الحالي والذي تعمل تركيا على أساسه كي تكون لها أقداما واضحة في العراق شأنها شأن جارتها إيران ،
ونعتقد أن المنافسات الخفية الأن على العراق بين إيران وتركيا لبسط نفوذيهما عليه ربما سيشهد ذلك صراعا جديدا يقف العراق عنده عند مفترق الطرق لتكون سيادته لمن هب ودب إن لم تفكر قيادة العراق الحالية بإيجاد وسائل جديدة وبديلة تخفف من أطماع هاتين الدولتين لتقسيم العراق بينهما .