منذ ان أقدمت الطائرات التركية على إسقاط الطائرة الروسية وهي تعيش حالة من الفوضى ومن التصرفات العشوائية والتي يظن المتابع لها بأنها تعبر عن حالة من التخبط، ولكنها بواقع الحال تمثل تخبطا مقصودا وممنهجا من قبل تركيا ومن يقف ورائها من القوى الغربية، فبد إسقاط الطائرة الروسية والذي تم بطريقة دراماتيكية وسريعة وبشكل يعبر عن محاولة تركية لتنفيذ خطة معد لها مسبق، فادعاءات تركيا بان الطائرة الروسية اخترقت أراضيها لفترة 17 ثانية أمر مثير للسخرية والاستغراب، فليس هنالك أي عرف بالأعراف السياسية أو العسكرية يتقبل الاعتداء على طائرة لدولة أخرى كونها اخترقت الأراضي لفترة وجيزة كالتي ذكرتها السلطات التركية، وفيما يبدوا أن في ذلك “أمرٌ دبّر بليل”، واليوم وبعد عدة أيام من إسقاط الطائرة الروسية، بدأت تتضح للعيان النوايا التركية المخبّئة وراء ذلك، فتركيا باتت متسرعة بكشف الخيوط التآمرية، وفي تنفيذ المخططات الغربية التي يراد منها تنفيذها، ومن بين تلك الخيوط تعديها على الأراضي العراقية ووصول قوة منها تقدر بـ150 جنديا مجهزة بالدبابات ومضادات الطائرات، وفيما يبدوا أن الغرض من إرسال تلك القوة ليس بالأحجية التي يصعب حلها، أو بالسر الغامض الذي لا يمكن الإفصاح عنه، فتلك القوة المسيرة من الغرب الممثل بأمريكا والقوى الأخرى المعادية للتدخل الروسي في المنطقة جاءت بمثابة جس للنبض فيما يحصل إذا ما تدخلت تلك القوى في العراق، خاصة وان الولايات المتحدة أعلنت عن التحضير لإرسال قوات من التدخل السريع بحجة ضرب تنظيم داعش والقضاء عليه، وتلك القوى لم تجد سوى خادمها المطيع اردوغان لتنفيذ هذه المهمة وبالتعاون مع إقليم كردستان المرتمي بأحضان أمريكا التي أغدقت عليه الوعود بإنشاء دولة مستقلة في مناطق شمال العراق، وما زيارة مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان الى السعودية ولقاءه بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى مصداق واضح على صحة ما ذهبنا إليه، فوجود بارزاني في الرياض وبهذه الفترة بالذات لا يبتعد كثيرا عما يدور في المنطقة من إرهاصات وتجاذبات افرزها تدخل الدب الروسي على مسرح الأحداث وبمعيته الدعم الإيراني الكبير والغير محدود لحكومتي بغداد ودمشق، وهو ما يفشل كل الخطط التي يراد منها تقسيم العراق وسوريا، وتنفيذ ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد.
إن ما تشهده المنطقة اليوم من تدخلات لقوى متعددة افرز جانبان، الجانب الأول منهما يعمل على تفتيت البلدان في المنطقة وعلى تفويت الفرصة عليها للتنمية والنهوض، وإبقائها في حالة التبعية والحاجة لقوى الغرب، ويضم هذا الجانب الولايات المتحدة وتابعاتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذيولها من الدول اللاعبة لدور الشرطي في المنطقة كتركيا والسعودية ودويلات الخليج المغلوبة على أمرها، أما في الجانب الآخر فيقف كل روسيا والصين وإيران والدول التي أضحت ساحة للحرب والقتال والتدمير مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، وما
بين هذا الجانب وذاك تقف دول متحيزة لهذا الجانب في حين والى الجانب الثاني في حين آخر ومنها مصر التي اختلفت تصريحاتها ما بين الميل لهذه الكفة أو للكفة الأخرى، وإزاء كل ما يحدث فأن دول المنطقة والتي تنشد الاستقرار أضحى أمامها الطريق واضحا وسالكا في اختيار الجهة التي تحميها من التقسيم ومن التشتت والتي تقف معها بشكل صادق، وفي العراق الكثير من الأدلة والبراهين التي على الساسة إن يدركوها وعليهم أن يدركوا إن هنالك دول تتفق مع البلاد لتقليل النفقات وزيادة الواردات ورفع الأعباء عنها، بينما هنالك دول تعمل على استنزافها وعلى إدخالها في دوامة من العنف التي لا تنتهي، وخير مصداق على ذلك دعوات أحد المسئولين الروس، والذي عرض على وزير الدفاع العراقي إعادة إحياء مصانع السلاح الموجودة في العراق، وخاصة مصنع ذخائر الكلاشنكوف بما يخفض كلفة شراء هذه الذخائر على الخزينة، على الرغم من إن روسيا تبيع السلاح للعراق وذلك أفضل لها من إحياء الصناعات العراقية، وبالمقابل نرى الولايات المتحدة غير مستعدة لإحياء أي صناعة في العراق بل هي تعمل على استنزاف أمواله وإبقائه في حالة من القتال الدائم والمديونية الدائمة، هذا هو الفرق بين روسيا وأمريكا والذي يجب أن يكون أمام أنظار المسئولين العراقيين، وكذلك الحال بالنسبة إلى إيران التي يحاول البعض أن يظهرها على إنها عنصر الشر في المنطقة بينما هي أعلنت مرارا وعلى لسان مسئوليها إنها تقف مع وحدة العراق وترفض تقسيمه، بينما هي خاضت مع العراق حرب لمدة ثمان سنوات ومن مصلحتها أن يكون العراق بلدا ضعيفا.
وعودة لما بدأنا حول الدور التركي في المنطقة نجد أن ما يقال عنه بأنه تخبط أو أنه جانب بطولي كما ينظر له البعض، ما هو إلا أمر ممنهج ومخطط له وتركيا لم تفعل ذلك بملء إرادتها وإنما هي جزء لا يتجزأ من الخارطة الجديدة التي يراد لها أن ترسم في المنطقة، وفي المبلغ الذي تجاوز الثلاثة مليارات دولار والذي تم تخصيصه من قبل الاتحاد الأوربي بحجة دعم اللاجئين ووقف تدفقهم نحو الدول الأوربية خير مصداق على ما ذهبنا إليه..