23 ديسمبر، 2024 5:11 م

تركيا والتجاوز على سيادة العراق

تركيا والتجاوز على سيادة العراق

تركيا هذه الدولة التي تربطنا بها روابط كثيرة وهي روابط جديرة بالاحترام, ومنها روابط جغرافية المكان, وروابط الدين, وروابط التأريخ والمصالح المشتركة, بالإضافة إلى روابط الإنسانية, لكن للأسف الشديد يبدو إن الأخوة الأتراك لازالوا يعيشون حلمهم الأزلي وهو الإمبراطورية العثمانية التي انهارت نتيجة لحركة التأريخ التي طمست الكثير من الحضارات, وكذلك المتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية بعد الحربين العالميتين وما رافقهما من بروز قوى وانهيار قوى أخرى, وبالرغم من مواقف تركيا السلبية العديدة ونفسها الطائفي الذي بات واضحاً جداً من خلال تعاطيها مع الأحداث في المنطقة العربية وأنحيازها التام لكل المشاريع المعادية للنظام السياسي الجديد في العراق, إلا إن العراق كان ملتزماً بمبادئ حسن الجوار, وذلك من خلال إدانة الحكومة العراقية لكل العمليات التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني في شمالنا الحبيب ضد القوات التركية, لكن السياسة التركية لم ترتقي إلى مستوى تبادل المواقف الايجابية بين الطرفين مما يولد حالة من عدم الثقة السياسية بين الحكومتين الجارتين, اليوم تتجاوز الحكومة التركية كل الأعراف والمواثيق الدبلوماسية المتعارف عليها بين الدول التي تتمتع بالسيادة والاستقلال, وذلك من خلال زيارة وزير الخارجية التركي لمدينة كركوك ومن دون علم الحكومة العراقية, هذا التصرف الذي يفتقد إلى اللياقة السياسية يضع علامات استفهام عديدة تجاه هذه الدولة الجارة, زيارة وزير الخارجية التركي يعتبر اعتداءً سافراً على سيادة واستقلال العراق, لذلك على القوى السياسية كافة أن تتجاوز الخلافات الداخلية وتوحد موقفها الوطني للوقف بوجه أي اعتداء خارجي يمس السيادة العراقية, وأن تثبت للشعب العراقي إن سيادة العراق وشعبه أهم بكثير من المكاسب والخلافات السياسية, وعلى الحكومة العراقية أن يكون موقفها واضح وصريح وشديد تجاه هذا التجاوز السافر من قبل تركيا, وذلك من خلال توجيه رسائل احتجاج رسمية لكافة المؤسسات السياسية الدولية المعنية بالعلاقات بين دول العالم وكذلك استدعاء السفير التركي وتسليمه رسالة احتجاج رسمية على هذا التصرف الغير مسؤل, واستدعاء سفيرنا لدى تركيا للتباحث معه في كيفية التعامل السياسي والدبلوماسي بين البلدين خلال الفترة القادمة , العراق الذي كان موقفه متوازناً في التعامل مع القضية السورية وذلك لأهميتها وانعكاسها على الواقع العراقي وعلى المنطقة, يختلف عن الموقف التركي الداعم للجماعات المسلحة ومن الداعين لتغيير نظام الحكم في سوريا, ولذلك يبدو إن تركيا أرادة بهذه الزيارة أن توصل رسالة بطريقة مختلفة تعبر فيها عن امتعاضها لموقف الحكومة العراقية تجاه القضية السورية, واختيار مدينة كركوك يبعث رسائل غير مطمئنة للدور التركي الخفي في هذه المدينة لما لهذه المدينة العراقية من خصوصية كبيرة نتيجة التركيبة المجتمعية التي تتميز بها كركوك, زيارة وزير الخارجية التركي تعطي مؤشرات خطيرة على دور المخابرات التركية على الأراضي العراقية لان هكذا زيارة وبدون علم الحكومة العراقية تحتاج إلى تنسيق أمني على مستوى عالي من الانضباط والسرية بمعنى إن الدور الكبير فيه كان  للمخابرات التركية في تأمين الأجواء الأمنية التي تتناسب وحجم الشخصية الزائرة, وهذا يعطي انطباع سلبي على الأمن القومي العراقي, فعلى الحكومة العراقية أن تعيد مراجعة سترتيجيتها المخابراتية والسياسية والأمنية من اجل المحافظة على سيادة العراق, وعلى تركيا أن تعلم إن التجاوز على سيادة العراق أمراً مرفوضاً من قبل الشعب العراقي حكومةً وشعباً لأنه يمس الكيان العام للدولة العراقية.