19 ديسمبر، 2024 3:01 ص

تركيا : قواعد تغيير اللعبة … العواقب والدروس

تركيا : قواعد تغيير اللعبة … العواقب والدروس

تعاني أنقرة في هذه الآونة من عدم استقرار امني وسياسي داخلي بعد الانتخابات الأخيرة وما أفرزته من قوى سياسية في البرلمان لأول مرّة في تاريخه بنسبة أعلى من المرّات السابقة لصالح المعارضة و تنامي وتيرة المواجهات العسكرية بين الأمن التركي والاحزاب الكوردية المعارضة المتهمة  بالمسؤولية عن التفجيرات في العديد من المدن لغرض رفع حالات المواجهة معهم وخلق الاسباب الموجبة للتسقيط واعادة التموضع في جبهة اعزاز تمهيداً لعزل المنطقة . مما يوحي الى انها ساهمت في تخبّط سياساتها الداخلية والخارجية خصوصا بعد تأكّد انقرة من صعوبة الحديث عن حلّ سياسي للازمة السورية وتصاعد القتال مع الاكراد المسلحين ( bkk (. وفي الشمال السوري صراعٌ مسلّحٌ للسيطرة على جغرافيات محلية مُختلفة فيه، وذلك بين قوات حماية الشعب الكُردية YPG وتنظيم داعش مرّاتٍ كثيرة، وبين الأولى وبعض التنظيمات الارهابية الأخرى في مراتٍ غيرها، وفي أحيانٍ كثيرة بينها وبين بعض القوى المُسلحة المعارضة أيضاً. وأدّت «غلبة القوات الكُردية» إلى فِرض واقع سياسي ذي صبغة سياسية قومية كُردية وهي ما تخوف الاتراك من مستقبل المنطقة ، ومن المعلوم ان الحرب الأهلية السورية أفضت إلى تبعات سلبية كبيرة على صعيد العلاقات الاقتصادية التركية مع سوريا والعراق التي كانت مزدهرة فيما قبل. أضف إلى ذلك ما تعانيه حركة السياحة الأوروبية في الأسواق التركية من ركود في الوقت الراهن.

الاوضاع الامنية في تركيا تزداد سوءاً يوما بعد يوم وتتفاقم الانفجارات التي اصبحت يومية . القيادة التركية بدأ ينتابها القلق الشديد حيال ما وصلت الية الأزمة السورية في غير ما كانت تتوقعه كما ان ما زاد الطين بلة إسقاط تركيا لطائرة السوخوي الروسية داخل الاجواء السورية، والذي يبدو ظاهريا أمرا مفاجئا، خلط أوراق الصراع في سورية وعليها وقلبت موازين القوى ،

…فهي توقعت رحيلاً وشيكاً لنظامها السياسي القائم، لكن النظام لم يرحل بعد، ولا يبدو أنه سيرحل قريباً وفقاً لآخر المؤشرات، في المقابل، ما فتئت تركيا، وبالذات محافظاتها الجنوبية، تستقبل اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة، وإلى جانبهم عناصر من المنظمات الارهابية الهاربة من اتون الحرب بعد الزحف الموفق للقوات السورية في مناطق القتال ، ومن عمليات القوات  الكوردية التي اخذت بالتزايد يوما بعد يوم ،والواضح ان خرائط التحالفات والاصطفافات في المنطقة برمتها سوف تتغير بالضد لما الت اليه الاوضاع والتوقعات والمؤشرات تذهب الى ان تركيا قد تخسر كل شيء في القريب اذا ما اصرت واستمرت في مسيرها الحالي. ويشكل خطرًا محتملًا على الاستقرار والازدهار في هذا البلد .

من حهة اخرى تركية تخشى تماماً من أن حزب العمال الكردستاني بعد ان استعاد علاقاته مع موسكو، التي قد تبادر في تزود القوات الكردية بالأسلحة، وإن الدعم الروسي سيساعد الأكراد على تحقيق مطالبهم وهذا ما يقلق الحكومة التركية.

وهم الان في حال تحرك فعلي وفتحت له سورية أبوابها ولن يقفل ملفه ببساطة  وكسر عظم لتركيا حيث تفقد دورها الغير المتوازن اصلاً  في المنطقة، ولن ينفعها بعدها مفاوضات ولا مباحثات وتصبح العودة للخلف مستحيلة، وبالتالي في داخل تركيا هناك قوى ضاغطة بوجه أردوغان تدرك خطورة المراهنة على ما الت اليه الاوضاع  ، وترفض أن تدفع تركيا ثمن المفاوضات الأمريكية مع محور المقاومة، وتدرك المعارضة التركية أن صبر إيران وسورية قد نفذ تماماً، والأهم أن المعارضة التركية تدرك أن روسيا اليوم ليست روسيا الأمس وقد لمست نهاية العام الماضي معنى تحرك القوات الروسية في أرمينيا والبحر الأسود.

الموقف الأمريكي المتردّد والباهت إزاء النظام السوري الحالي وتأثيرات ذلك على وضعها الإقليمي والداخلي أيضا ومن جهة مواقف اكثر الدول في العالمين الدولي و العربي وبعض الدول الخليجية التي تغيّر موقفها من الشدّة إلى اللين حول مصير الأسد، غير أنّ مازاد في إرباك السياسة التركية كان استغلال روسيا لهذا المشهد المتذبذب واختيارها هذا التوقيت الصعب ولكن المناسب لدخول الميدان السوري من أوسع أبوابه ونجاحها في فرض أجندتها هناك. مما جعلها القائد الفعلي للمعادلة السورية والغاء دور التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وممسكة في ذات الوقت بزمام الأمور . وإزاء هذه التطوّرات يرى مراقبون أنّ روسيا قوّضت بذلك الدّور المتردّد الذي تسعى تركيا لفرضه في سوريا .

إذ يرى المراقبون أن تركيا باتت اليوم أمام مواجهة دولية بامتياز تتمثّل في الحرب الباردة بين الحليفين القديمين أمريكا وروسيا في الميدان السوري ، بعد أن كانت تعيش مواجهة إقليميّة شرسة من اجل ازاحة الجمهورية الاسلامية الايرانية إيران الحليف المهم  للقيادة السورية وضرورات المنطقة  . وتعتقد انقرة إن خروج الأسد منتصراً سيكون هزيمة إستراتيجية كبرى لإسرائيل، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى نقاش وقد أُنجز هذا النصر السوري بالفعل ، فخروج القوات السورية من بعض المدن لا يعني عودة العصابات بأي شكل من الأشكال،

صحيفة فاينانشال تايمز التي حذرت في مقال افتتاحي من أن تركيا تمر بتغيرات سياسية واجتماعية يجب أن تدق جرس الإنذار لدى مواطنيها وأصدقائها في الغرب على السواء.ويدفع الوضع الراهن في هذا البلد الى المجهول لان الاندلاع المفاجئ للمواجهات بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني مبعث قلق جديد قد يزعزع استقرار تركيا إذا لم يقدم كلا الطرفين، وخاصة الرئيس رجب طيب أردوغان، على التراجع والجلوس على طاولة الحوارلحل المشكلة العريقة بينهما .

كما ان المسلحين الأكراد شعروا بالغضب بسبب تواني أردوغان في مواجهة مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” داخل سوريا وتتهم الحكومة الحالية بدعم هذه التنظيمات التكفيرية . وتستعملها كورقة ضد مناطقهم . وتساعد الاراهبيين لدخول الى الاراضي السورية .هذا وقد افصحت سارة سناء الله وزيرة الشئون القانونية في الحكومة الباكستانية بإقليم البنجاب عن انضمام مئات من الشباب الباكستاني إلى صفوف تنظيم “داعش”الارهابي في سوريا و العراق وعن طريق تركيا، وقالت إن سلطات الأمن في بلادها قد اعتقلت الكثير منهم لمحاولتهم إنشاء خلايا نائمة لتنظيم داعش في باكستان وبخاصة في إقليم البنجاب، و تمت مصادرة أسلحة وذخائر كانت تنوي استخدامها بمعرفة تلك الخلايا حال صدور أوامر التنشيط إليها من قيادة داعش وهناك الالاف من دول اخرى تم ايصالهم عن طريق المطارات المختلفة وبعلم الحكومة في انقرة .

الكثير من المحللين السياسيين يعتقدون و هناك ثمة شكوك في أن الرئيس التركي يخوض الحرب مع حزب العمال الكردستاني لأغراض سياسية داخلية. وهناك امر آخر في الوجود الروسي  في سوريا حيث يزعج تركيا على اعتبار هذا التواجد يعني دعمها للحركات الكردية التي تقول تركيا إنها على علاقة بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبرها “منظمة إرهابية”.وكما اخفقت من جر واشنطن للحرب في سورية وأن عملية برية واسعة النطاق تبدو بعيدة الاحتمال في الوقت الحاضر، حيث استبعدت الولايات المتحدة ذلك، كما رفضت القيام بأي عمليات ضد النظام السوري وحلفائه، وحذرت روسيا من شن هجوم بري، لأنها ستورط الأطراف المشاركة في حرب حقيقية .

وهناك ثمة ما يشير أن تركيا مقدمة على اتخاذ خطوات غير سليمة ، لكل ما سبق ذكره من أسباب وعوامل واعتبارات…

واعتقد أن أي مواجهة تنجم عن مغامرة تركية في سوريا، سوف تدخل المنطقة الى جحيم حرب لايحمد عقباها دولياً وداخلياً اولاً:العلاقة بين أممها الأربعة: العرب والأتراك والفرس والأكراد ،ثانياً: في حرب مئوية من جديد…وعندها لن ينفع الندم و بأن المسؤولية تقع على كاهل نظامها المستبد و هو الصواب .

وفي الواقع لم تكن احداث ميدان (( تقسيم ))القضية الاساسية لانبعاث التظاهرات في الشارع التركي انما الشرارة التي اوقدت نارها لان السبب الرئيسي هو الانقسامات في المجتمع والتي يعمل الحزب الحاكم للعب على وترها والاهم هو تقيد الحريات العامة والمساس بالعلمانية التي رسمها لهم (اتاتورك) مؤسس الدولة كما لاننسى المغامرات الكبيرة لاستعادة سلطنة بني عثمان التي يحلم بها اردوغان والحقيقة التي توضحت وتجلت في فكر حزب العدالة والتنمية وعشقها للسلطة والحكم ولدت الاحتقان عند الشارع ولعل هذا الصرع بين الاثنين يعد اشارة بسرعة ازالة اردوغان عن دفة الحكم وقد ايقضة (تقسيم )المواطن وحركة مشاعره التي صبرته خلال السنوات الماضية بسبب الضغط السلطوي للنطام وكانت تحتاج الى شرارة لاشعالها كما ان التدخلات في الشؤون الداخلية للدول المجاورة ومجاملة السياسات الاستكبارية لتمزيق المنطقة والتنعم بخيراتها واستغلالها لمصالحهم مثل سورية التي تعتبر روح المقاومة في مواجهة الكيان الاسرائيلي وحياكة المؤامرات لتشتيت الداخل العراقي واحتضان عناصر الارهاب وعقد المؤتمرات الطائفية التي تدعم القاعدة وزرع روح التمزيق والتفرقة بين شعوب المنطقة وهي الحافز لانطلاقتها… واليوم راح العالم يعرف الكثير من الحقائق الخافية عليه ويسأل اين الديمقراطية التي يطالب اردوغان للشعب السوري ويدافع عنها ولم يتحمل التظاهرات التي كانت تطالب بالحقوق والحرية وهم من ابناء وطنه ونرى قوات الشرطة استعملت كل اساليب البطش من اجل تفريق التظاهرات ووصفهم بالمجرمين والارهابيين والافراط في العنف ضدهم وهو الرد القاسي. إن حكومة أردوغان بدأت تحس بخيبة الأمل من الموقف الأمريكي والغربي والتغيير الاقليمي عموما إزاء الصراعات في المنطقة  والفشل  نحو سياسة جر هذه الدول والحلف الأطلسي إلى الحرب من أجل توسيع مطامعها ، وهي في هذا التحرك تدرك أن لا قرار دولي بهذا الخصوص وعليه فان تسخين الأجواء وتهيئة الظروف لا بد منهما للدفاع عن ماتبقى من ماء وجهها اذا كان قد بقا شيء منه وستعود منكسرة إلى لغة التهديد والأوامر في إطار مقولة إن قواعد اللعبة قد تغيرت وضرورة تخفيف اللعبة التركية التي تعد في بحر من الاضطرابات، ومن خطر تصاعد موجة انعدام الأمن وعدم الاستقرار على حدودها .وتبني سياسة خارجية تستند إلى عدم إثارة القلاقل مع الدول المجاورة، والتهديدات المتعددة للسلام الذي يشكله الارهاب الغارق في دم شعوب المنطقة من قبل الاشرار المتوحشين في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيره من التنظيمات المسلحة. في عدم دعمها، وايجاد استراتيجية مصالحة مع أكراد الداخل والمعارضة لإنهاء الصراع الداخلي المستمر منذ عقود معها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات