على الرغم من جذور أردوغان وتربيته الأسلامية وكونه خريج ثانوية أسطنبول للأئمة والخطباء ، قبل أن يحصل على شهادة البكلوريوس في العلوم الأقتصادية والتجارية من جامعة مرمرة ، وعلى الرغم من سجنه 4 أشهر! بتهمة التحريض للدعوة الأسلامية وذلك عندما ألقى قصيدة في أحد التجمعات يقول فيها ( المسجد معسكرنا / وقبابه خوذتنا / والمآذن رماحنا / والمؤمنون هم جنودنا) ، وعلى الرغم من تأسيسه لحزب العدالة والتنمية عام 2001، ألا أن أردوغان منذ أن أصبح رئيسا للوزراء عام 2003 وحتى قبلها عندما كان رئيسا لبلدية أسطنبول للفترة من (1994 – 1998 ) ، نفى نفيا قاطعا رغبته وسعيه لأسلمة المجتمع التركي! وأنه ملتزم بالعلمانية ، وكان واضحا وصادقا فيما قال حيث لم تكن لديه أية نوايا علنية أو مخفية لأسلمة المجتمع وتغيير صورة تركيا المعروفة بعلمانيتها منذ زعيمها أتاتورك الذي أسس تركيا الحديثة العلمانية بعد أنتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 ، حيث يصف أردوغان نفسه ( بأنه ديمقراطي محافظ ، يحرص على تشجيع السياسات الليبرالية الأقتصادية والسياسات المحافظة أجتماعيا) 0 ولكن المفارقة تكمن بأن تركيا في زمن أردوغان أصبحت أكثر تدينا وأسلامية في مختلف مناحي الحياة! ليس بالقوة والأجبار، كما هو معروف ببقية الدول ذات الحكومات الأسلامية المتشددة ولكن بالعقل والمنطق وبحرية الأختيار! ، ومن الجدير أن نذكر هنا بأن الزعيم التركي اردوغان أحتل في أستفتاء عالمي أجري عام 2019 مرتبة متقدمة من بين أكثر من 500 زعيما أسلاميا ، بأنه الأكثر تأثيرا على الساحة السياسية عالميا! 0 وعلى عكس التصور الموجود عن الأحزاب والحكومات الأسلامية وتجاربها الفاشلة في المنطقة! وفي أفريقيا ، فأن حزب العدالة والتنمية الأسلامي الذي يتزعمه أردوغان نقل تركيا وخلال عقدين من الزمن الى مصافي الدول الكبرى المتقدمة صناعيا وتجاريا وأقتصاديا وعسكريا ، بعد أن أستطاع تحويل تركيا الى مركز صناعي ودولة مهمة في مجال الصناعات كافة ، حيث شهدت تركيا وتشهد أنتعاشا أقتصاديا وذلك من خلال تشجيعها للأستثمارات في مجالات البنى التحتية والطرق والمطارات والجسور وشبكة القطارات وفي السياحة ، رغم التحديات الكبيرة والصعبة التي تواجهها بسبب الظروف السياسية الداخلية والأقليمية والدولية المتشابكة وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة ، ومن الجدير أن نذكر هنا بأن (تركيا أصبحت مقصدا للثقافة والسياحة الصحية ، حيث أحتلت المرتبة الثامنة عالميا عام 2017 بعد بريطانيا ، بعد أن زارها أكثر من (6/37) مليون سائح ، ثم أستطاعت تركيا بعد ذلك أن تحقق رقما قياسيا عام 2019 بعدد السياح الذين دخلوا أليها حيث بلغ عددهم أكثر من (7/51) مليون سائح، محققة أيرادا قدره ( 5/34) مليار دولار فقط من السياحة! ، وتحتل تركيا حاليا المرتبة الرابعة في قائمة السياحة العالمية حسب التصنيف الصادر عن منظمة السياحة العالمية ، متقدمة على أيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية ! ) 0 وعلى الرغم من كون تركيا عضوا بارزا ومهما في حلف النيتو ألا أن أمريكا لم يرق لها ما حققته وتحققه في ظل حكم الرئيس أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية الأسلامي! من طفرات وتطورات كبيرة في كافة المجالات وخاصة الأقتصادية منها ، لذا شجعت أمريكا ودعمت معارضيه في محاولة الأنقلاب الفاشلة التي قام بها العسكر عام 2016 بتدبير من المعارض المقيم في أمريكا ( فتح الله غولن)! ، ألا أن الشعب التركي أكد دعمه ووقوفه الى جانب أردوغان وحزبه ضد الأنقلابيين الذين أرادوا أعادة تركيا الى حكم العسكر! كما هو معروف عنها منذ نشأتها بزعامة أتاتورك ، فساند الشعب الزعيم أردوغان ووقفوا بوجه دبابات الأنقلابيين حتى تم القضاء على أنقلابهم 0 الشيء الملفت للأنتباه في تركيا هو أن (مدارس أمام وخطيب) الأسلامية هكذا تسمى ، والتي تخرج الخطباء والفقهاء ورجالات الدين ، والتي أرتفع عدد المقبولين فيها الى أكثر من مليون شاب أدت دورا كبيرا ومهما ((بمواجهة البدع والخرافات المنتشرة في المجتمع التركي! ، وساهمت هذه المدارس الأسلامية ببرامج تحديث تركيا والحفاظ على القيم والمباديء المعنوية والروحية وشكل الهوية القومية التركية ، كما أصًلت مفاهيم الوحدة والتضامن والأخوة بين الأتراك بالصورة التي يريدها الأسلام !)) وفي الحقيقة هذا عكس ما معروف ومأخوذ عن صورة وأفكار هذه المدارس والحوزات العلمية في ظل الحكومات الأسلامية! 0 أرى ومن وجهة نظري أن سر نجاح حكومة أردوغان وحزبه الأسلامي أنه لم يعمل على أسلمة المجتمع مطلقا ، فلم يجبر النساء التركيات على أرتداء الحجاب أو أي لبس أسلامي آخر ، بل تعامل مع المجتمع التركي بكل مكوناته وملله ونحله على مقولة النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ( لكم دينكم ولي ديني) ! ، وعمل على مخاطبة العقول بالمنطق وبالحسنى وبلغة القرآن ، تاركا الأمر للشخص التركي ليختار لنفسه ما يريد وبكل حرية ، فهناك الجامع وهناك الكنيسة وكذلك (الكنيس) معبد اليهود ، بالمقابل هناك الملاهي والبارات والنوادي الليلية واماكن الترفيه والمتع الاخرى!! ، فلم ينصب نفسه أله عليهم ، ويكون ظل الله في الأرض! كما في الكثير من الدول التي تقودها الحكومات الأسلامية ، وأعتقد وقد يتفق معي الكثيرين بأن هذا هو سر نجاح وتقدم وتفوق حزب العدالة والتنمية وحصوله على قبول ورضا الناس والشارع التركي ، ولو أن أرضاء الناس غاية لا تدرك! 0 الجانب الآخر في سر نجاح حزب العدالة والتنمية التركي الأسلامي هو أنه تأسس بأرادة وطنية تركية ، عكس أحزاب الأسلام السياسي التي شهدت ظهورا وبروزا على المشهد السياسي العالمي في الكثير من دول العالم ، بدعم أمريكي! منذ سبعينات القرن الماضي ، فغالبية التنظيمات والأحزاب الأسلامية أما صناعة أمريكية ، أو تحظى برضا وقبول الولايات المتحدة الأمريكية ! ، حيث لم يعد سرا بأن أمريكا تدعم الكثير من حكومات الأسلام السياسي والتنظيمات الأسلامية المتشددة لأنها تحقق لأمريكا مصالحها القومية العليا! 0 ومن الطبيعي أن التحديات الكبيرة والخطيرة التي تواجه المنطقة والأضطرابات التي تعيشها والظروف الدولية المعقدة التي يمر بها العالم بأسره ألقت وتلقي بظلالها وأنعكست على كل دول العالم ومنها تركيا ، ولكن مع كل ذلك لازال أردوغان وحزبه الأسلامي حزب العدالة والتنمية يواجه كل هذه التحديات بقوة وثبات وبالعقل من أجل المصالح القومية العليا لتركيا0 أخيرا نقول لماذا لا تحذوا دول المنطقة وحكوماتها الأسلامية تحديدا حذوا تركيا بأن جمعت بين الحفاظ على الهوية الأسلامية للدولة ولكن بنهج علماني ديمقراطي منفتح يمنح الحرية ويكفلها للجميع ، ويترك الخيار لعقل الأنسان أن يختار أي نهج يريد دون أية ضغوطات أو أجبار، فالأسلام الذي بشر به النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ، خاطب العقل أولا وأخيرا تاركا لهم الحرية في ذلك دون أجبار الناس على أعتناقه0