في تنوع المجتمعات بأجناسها ولغاتها وألوانها حكمة بليغة، فقد قال تعالى في محكم كتابه: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”. ومن هدي نبينا (ص) قوله: (الخلق كلهم عيال الله واحبهم الى الله احبهم الى خلقه). ولإمامنا وولينا علي (ع) في نهج البلاغة -وكل نهجه بلاغة- قوله الى مالك بن الأشتر: (يا مالك إن الناس صنفان؛ إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق). من هذا كله يتوجب على كل فرد منا ان يتعايش مع أخيه الإنسان في جميع بقاع المعمورة بروح الأخوة والتعاون بما يرضي الله، وعلى وجه الخصوص الذي توكل اليه مسؤولية قيادة مجتمع صغيرا كان ام كبيرا! فهو سيُسأل عن رعيته حتما ويثاب ان رعاها ويعاقب ان لم يرعها، اما غير رعيته فيتحتم عليه المعاملة معها بالحسنى، ومد يد الغوث والعون اليها عند تقلبات الأقدار عليها، وبذا يكون قد انتهج نهج الله ونبيه ووصيه. في الأيام القليلة الماضية.. انصب اهتمام القوات المسلحة والحشد الشعبي على السعي الحثيث لتحرير مدن محافظة الأنبار المسلوبة، وهو أمر جاء وليد الانتصارات المتحققة في قواطع العمليات العسكرية في مدن محافظة صلاح الدين التي كانت مسلوبة هي الأخرى، وكل هذه الأراضي مجتمعة ماكانت لتسلب لولا تفرد بعض الساسة وشيوخ عشائر المحافظتين، ونفر ممن آزروهم من المواطنين، باتباع سياسة ونهج خالفا فحوى ماذكرته في بادئ مقالي هذا من آية وحديث وقول لله ورسوله ووليه. وبالرجوع الى ماقبل سنين ثلاث واستذكار ماكان يجري في ساحات الخزي والخيانة، التي كان يطلق عليها المغرضون؛ ساحات الاعتصام، لتوصلنا الى استنتاج لايقبل التأويل، أن الاجتياح التتري الذي مر على الأراضي العراقية، ماكان ليحدث لولا شرارة التحريض التي انطلقت من تلك الساحات، على أيدي رجالات من المؤسف إطلاق مفردة شيوخ او وجهاء قوم عليهم، فهم لايليق بهم غير صفة (ابو رغال) بل هم كالأنعام بل أضل سبيلا..!
ومن المؤكد ان هؤلاء ماكانوا يخطون خطوة خطيرة كهذه، لولا اطمئنانهم الى جانب مهم في ما ينوون فعله.. جانب قد يفسد عليهم كل مخططاتهم إن لم يولوه تركيزا خاصا، وجهدا مضاعفا ومتابعة دقيقة، ذاك الجانب هو الشخصيات صاحبة النفوذ في البلد، والمتمثلة بالكتل التي تترأس صناعة القرار العراقي، والتي تتمتع بسلطة وجاه داخل البلد وخارجه أيضا، فمثل هذه الشخصيات يتوجب العمل على وضعها (بالجيب) لتمرير مايراد تمريره من مناهج وبرامج ومخططات، تأتي أكلها بعد حين في أفواه الطامعين بقلب نظام الحكم وإرجاعه الى ماكان عليه قبل عام 2003، وهم بالخط العريض البعثيون وأيتام المقبور صدام، فبالرجوع ثانية الى ماقبل دورتين من دورات مجلس نوابنا -وحتى اللحظة- وإعادة شريط الأحداث الى الكيفية التي كانت تدار بها النقاشات تحت قبة المجلس، لاتضح جليا أن النية مبيتة من قبل هؤلاء، وأنه “أمر دبر بليل”..! تحت غطاء أصحاب قرار في الحكم، هم بعض من تشكيلة الـتسلسل الهرمي الممتدة أذرعها بين الكتل والأحزاب، والتي بدورها تتفرع الى أعضاء ورؤساء، وتمتد أيضا الى ماوراء حدود البلاد، لتشرك جهات إقليمية صار لها باع طويل في صنع القرار الداخلي.
وهذا يثبت أن الصنم الذي سقط قبل اثنتي عشرة سنة، خلف وراءه اللات ومناة والعزى وهبل، ومازال هناك عابدون لها، ومتمسكون بإلوهيتها، يؤمنون أن الأخ في الدين ندٌ وضد.. وأن النظير في الخلق عدو مبين..