18 ديسمبر، 2024 8:17 م

ترسيم الحدود في عراق ما بعد الحشد

ترسيم الحدود في عراق ما بعد الحشد

عندما يبدأ الشعب بالانقسام على نفسه وحول حكامه فمن الصعب بمكان ان لا يلقى هذا التوجه صدىً مسموعاً لدى المستفيد الابرز من هذا التوجه الاجتماعي ليقوم بتوظيفه لخدمة مصالحه الاستراتيجية.
سياسة التقسيم ليست جديدة ابداً، فيوغسلافيا السابقة كانت التجربة الابرز و الانجح برأي ساسة البيت الابيض و بالنظر للوضع الحالي في يوغسلافيا مقارنة مع الوضع العراقي فلماذا لا يعاد “تدوير” التجربة مرة اخرى؟

ما اقترحه بايدن في 2007 و تجاهلتة ادارة جورج بوش هو تشكيل حكومة مركزية و ثلاثة اقاليم تمهد لولادة ثلاث دويلات فتيه جديدة يكون لكل ادارة فيها مسؤولية اقرار القوانين المدنية و “غير المدنية” التي تنظم حياة المواطنين برقابة و اشراف المركز.

تاخر هذا المشروع طويلاً و الحرب الطائفية التي جرت ويلاتها على العراقيين ادت الى نشوء تجمعات مسلحة وجدت من يساندها و يدعمها من دول الجوار حتى اصبحت واقع حال يدفع ثمنه العراقيون دماً و بشكل يومي و العراق كماهو معلوم لم يحقق ” الاستقرار” السياسي الا في ظل الانظمة الشمولية و هذا ما لن يكون له اي واقعية لتطبيقه، فعراقيوا اليوم يختلفون جذرياً عن عراقيوا الامس.

الامل الاخير للتخلص من التطبيق المحتمل للمشروع الاميركي كان في انبثاق حكومة توافقية و اصلاحات حقيقية تضمن للمواطن مستقبلاً واضح المعالم، الا ان التخبط السياسي و الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة ينذر بعدم امكانية تحقيق ذلك، و بدأ تنفيذ الخطة و بشكل اسوأ من السيناريو الذي عرض في 2007 لكن انتصارات القوات الامنية والحشد الشعبي كانت كفيلة بتغيير “خطة العمل” و ليس الخطة ذاتها و لهذا نشهد حراكاً اقليمياً وصل الى حد ان تعلن الولايات المتحدة نيتها التدخل “ميدانياً” لحسم المشروع سالف الذكر او ارسال قوات ” اقليمية و عربية” الى العراق.

انتصار الحشد يضمن بقاء الدولة العراقية، هذا الامر هو واقع لن تسمح به القوى الاقليمية و عودةً الى تجربة تقسيم يوغسلافيا ان فرضنا ان القوات الصربية آنذاك قد استمرت في سيطرتها على كامل الاراضي اليوغسلافية لكانت اليوم هنالك يوغسلافيا قائمة و لكن بهوية “صربية” بحته.

عامل التوقيت له الاثر الاكبر في ترسيم الحدود الجديدة، فكلما تماهلت اميركا و حلفائها في تطبيق الخطة فمن الممكن اعلان عراق جديد بصفات “حشدوية” تخشى الادارة الاميركية من ان يشكل وجوده خطراً على مصالحها لكون الحكومة التي ستشكل بعد تحرير كامل الاراضي العراقية ستكون حكومة عسكرية منبثقة من القوات التي قاتلت من اجل البلاد و ايا كانت النسب لمكونات التيارات المشاركة في هذه الحكومة فستكون لها صفة الاغلبية الشعبية و “العسكرية” ولن يكون المجال سانحاً امام تيارات “المعارضة السابقة – الحاكمة حالياً” لتولي اي دور مستقبلاً في البلاد و هذا ما ترفضه اميركا و حلفاؤها.

ارى ان الوقت المتبقي للعبة التقسيم قد بلغ منتهاه، و من الواضح ان التقسيم حتى و ان حمل “حلولاً جذرية” لمشاكل شتى الا انه لا يمكن القبول به بعد التضحيات الجسيمة و الخسائر الاجتماعية التي اثرت على توافقية المجتمع العراقي الفاقد لقراره في ظل غياب الدور الرسمي لتوعية المواطن بهذا الخطر .. ختاماً نقول ان اختار “شعب” ما ان يرسم حدوده، فمن الصعب ان يقوم بذلك باستخدام الورقة و القلم.. و لابد ان تترسم هذه الحدود بالبارود و الدم.