18 ديسمبر، 2024 3:01 م

ترسم فقط لأجل الهروب

ترسم فقط لأجل الهروب

هكذا تعودتي ان ترسمين لوحاتك بألوان كأنها مزيج أسلاف غامضة لا يتقنها غير الرسامون (الغرباء الأطوار!) , لكنك تناسيتي ان ترسمين في اللوحات دماملك التي ملأت قفاك في الآونة الأخيرة وتناسيتي ان ترسمين شحوبك (الزمهريري) الذي وكأنه يرسم وجهك في لوحاتك ! .

من هي؟ يتسائل صوت روحها المكبوت وكيف دخلتي العالم دون إذن من أصحابه؟!, وكيف لك عيون ترين فيها جميع الآخرين من حولك وعيون لا ترين فيها سوى نفسك؟!. وسط هذا العبث المتصاعد وامتزاج الأنفاس الذي لا يتوقف عند حد يجيب صوتها قائلا :

” أنتي هناك في نقطة من هذا الفضاء – الأرضي تخرجين كل صباح وما زال الدبق ينساب من شفتيك الذي يظهرك كبلهاء الحي الهاربة من سخريات الأطفال, وعندما كنتي تنحنين على حافة الجسر الخشبي يتساقط دبقكك الى النهر كدموع فرس جريح .

ما زلتي تتأملين لوحاتك الحزينة ولم تضيفي عليها شيئا غير ألوان التأمل البعيد .

“أنا لا أعيش سوى لأتنفس”, سوى لأخرج من بيتي تائهة ارتطم بشرودي بالأعمدة والجدران ” لم يتبقى في حياتي سوى قطتي المسكينة التي أصابها البرد والنحول بسبب انشغالي عنها واهتمامي باللوحات لكن تلك القطة لا تقل حزنا وألما عن امرأة لا تجيد ثرثرة النساء الطنينة ولا الأتكيتات العصرية التي تبعث على السأم والملل”.

توقف صوتها فجأة واستأنفت تأمل لوحتها الجديدة قبل رسمها بريشتها الحريصة .

لكن ليلها الغائم عاود الكرة عليها من جديد ليقتحم عالمها الضيق هذه المرة وليفرد جناحيه الغليظتين على بياض لوحاتها لكن ريشتها لن تتوقف عن التلوين يمينا ويسارا فمخيلتها- العائمة كانت أقوى من دجى الليل وجناحيه .

الشيء الوحيد ألذي أجادته هو الرسم الذي لم يكن نتيجة تمرين طويل كما هو الحال عند الرسامين وإنما كان عليها ان ترسم فقط دون ان تسأل عن سر موهبتها تلك مفضلة في رسمها الهروب من الأرواح الحية لتختار طريقها فيما بعد نحو الأرواح المقتولة !.