23 ديسمبر، 2024 3:35 م

ترامب و”قمة الاشكاليات” الاسلامية – الاميركية

ترامب و”قمة الاشكاليات” الاسلامية – الاميركية

في الحادي والعشرين من شهر ايار-مايو الجاري، سيبدأ الرئيس الاميركي دونالد ترامب اول جولة خارجية له بعد دخوله البيت الابيض في العشرين من كانون الثاني-يناير الماضي خلفا للرئيس السابق باراك اوباما، من المقرر ان تقوده الى كل من المملكة العربية السعودية، والكيان الصهيوني “اسرائيل”، والفاتيكان، ليتوجه بعدها الى العاصمة البلجيكية بروكسل لحضور اجتماع لقادة الدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي “الناتو”.
لاشك ان ترامب ليس اول رئيس اميركي يزور المنطقة، وتحديدا السعودية واسرائيل، بل ان هاتين الدولتين، لهما مكانة خاصة واولوية متقدمة في السياسات والحسابات الاميركية، بصرف النظر عن هوية الحزب الحاكم في واشنطن وبعيدا عن اسم الرئيس وماذا يعني وماذا يمثل؟.
ولكن هناك ما هو جديد وغير مسبوق، وهناك ما هو مثار تساؤل واستفهام ارتباطا بطبيعة ظروف واحوال المنطقة، وملفاتها الساخنة.
الجديد في تلك الجولة هي انها ستشهد عقد قمة اسلامية-اميركية في الرياض، حيث وجه الملك سلمان بن عبد العزيز دعوات لقادة وزعماء ورؤساء حكومات سبع عشرة دولة عربية واسلامية، هي مصر والكويت والعراق والبحرين وعمان وقطر وفلسطين ولبنان وتونس والمغرب واندونيسيا وماليزيا واذربيجان وتركيا واليمن والاردن وبنغلاديش.
وهذا يعني ان ترامب سيلتقي مرة واحدة زعماء عدد كبير من دول المنطقة، وهو بدلا من ان يذهب اليهم جاءوا اليه، لا في واشنطن، وانما في منتصف الطريق(الرياض)، ومنسق ذلك الحضور الغفير غير المسبوق هو الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
طبيعي ان ابرز الملفات التي ستبحث في القمة الاسلامية-الاميركية المرتقبة، الارهاب، والعلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي، وسبل تفكيك الملفات والازمات التي تعيشها المنطقة، وعناوين اخرى، لاتبتعد كثيرا في ظاهرها عن العناوين المشار اليها. بيد ان العناوين التي ستكون على رأس اجندة المحادثات السرية وراء الكواليس، هي كيفية ضمان امن الكيان الصهيوني، وكيفية مواجهة ايران وتحجيمها واضعافها وتقليص نفوذها وحضورها في المنطقة، وكذلك تعزيز الوجود الاميركي، ومنع روسيا من تعزيز وتوسيع تواجدها وحضورها.
واذا كان “اسرائيل” غائبة ظاهرا وحاضرة فعلا، فأنه من المؤكد ان لاتدعى ايران الى هذا المحفل، لانها ومن يقف معها ومن تقف معه هم المستهدفين اساسا.
فالمتأمل بدقة في الخطاب الاميركي بعد تولي ترامب مهام الرئاسة يلحظ ببساطة تصعيدا قويا وصريحا ضد ايران، يقابله توددا واقترابا كبيرا من السعودية، على عكس ما كان يطرح خلال الحملة الانتخابية، لاسيما طيلة الشهور القلائل التي سبقت موعد الانتخابات في السابع عشر من تشرين الثاني-نوفمبر الماضي.
ويأتي ترامب اليوم ليعزز ويؤكد ما صرح به بعد توليه الرئاسة، ويطوي صفحة ما قاله قبل ذلك.
وطبيعي انه حينما يأتي ترامب للسعودية، ويقرر عقد ثلاث قمم فيها وليس واحدة، قمة ثنائية مع الملك سلمان، وقمة جماعية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وقمة شاملة مع قادة وزعماء الدولة الاسلامية، فأنه بذلك يقدم دعما كبيرا للسعودية، التي اخذت خلال العامين المنصرمين تتخبط وتترنح بسبب اخفاقاتها في ادارة ملفات اقليمية اقحمت نفسها فيها دون حسابات دقيقة وخطوات مدروسة، لاسيما الملف اليمني، ناهيك عن الاحتقانات الداخلية بسبب صراعات مراكز القوى داخل العائلة الحاكمة حول السلطة والنفوذ والامكانيات والمواقع.
بيد ان ذلك الدعم والاسناد القوي لايمكن ان يكون بلا مقابل، فالموارد المالية الضخمة للمملكة العربية من النفط تشكل عامل اغراء كبير للقوى الكبرى، وبالخصوص الولايات المتحدة الاميركية، فالرياض على وشك اتمام صفقة اسلحة مع واشنطن تزيد قيمتها على مائة مليار دولار، وهي من المفترض ان تصل الى ثلاثمائة مليار دولار خلال عشرة اعوام، هذا اضافة الى الرساميل السعودية الهائلة في المصارف والشركات والمؤسسات المالية الاميركية.
ولعل ما تريده الرياض تحديدا من واشنطن، هو حسم الملفين السوري واليمني لصالحها، وتشديد الضغط على ايران بما يفضي الى رجحان كفة الرياض على حساب طهران، وكذلك اعادة ترتيب الخارطة السياسية في العراق لصالح القوى المحسوبة على السعودية، ونفس الشيء تقريبا بالنسبة للبنان.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو .. هل تمتلك واشنطن القدرة على تحقيق مطالب ورغبات الرياض؟.. واذا كانت كذلك، فلم لم تقم بذلك من قبل؟.
يبدو الامر على قدر كبير من التعقيد، وتكتنفه مصاعب وعقبات، اذ ان حقائق ومعطيات الواقع شيء، والاماني والرغبات شيئا اخر، وفي عالم السياسة، فأن الحقائق والمعطيات لا الاماني والرغبات هي التي تحدد المسارات.
فالمحور الذي تعد ايران رقما مؤثرا وفاعلا فيه، بات يمتلك من الوسائل والادوات والامتدادات ما يمكنه من فرض الخيارات الصعبة والمؤلمة على المحور الاخر بزعامة الولايات المتحدة الاميركية، ووقائع المشهد السوري، والمشهد اليمني، وكذلك اللبناني والعراقي، تؤشر الى ذلك بوضوح.
والمفارقة هنا ان ترامب سيأتي الى المنطقة ويعقد قمة اسلامية-اميركية غير مسبوقة، ويبحث عن حلول لازمات ومشاكل المنطقة، بغياب اطراف المحور الاخر، او بحضور مقنن للبعض منهم، كما بالنسبة للعراق، حيث وجهت الدعوة لرئيس الجمهورية فؤاد معصوم ولم توجه لرئيس الوزراء حيدر العبادي، وبالنسبة للبنان وجهت الدعوة لرئيس الوزراء سعد الحريري القريب جدا من الرياض وواشنطن وليس للرئيس ميشيل عون القريب من حزب الله.
ادانة الارهاب في “قمة الاشكاليات” الاسلامية-الاميركية، لن تكون كافية لتغيير صورة المشهد الاقليمي، وادانة ايران وحلفائها واصدقائها سيزيد من تعقيدات المشهد، ولن تخرج-القمة-السعودية من مأزقها، ولن تنهي قلق الكيان الصهيوني بأنهاء حزب الله، ولن تزيح الرئيس السوري بشار الاسد من دمشق، ولن تغير معادلات الحكم والسلطة في بغداد، ولن تعيد الرئيس اليمني المخلوع عبد ربه هادي منصور منتصرا الى صنعاء.
لن تكون القمة سوى استعراض هوليودي نجمه الرئيسي دونالد ترامب وساحة عرضه الرياض، والزعماء السبعة عشر “كومبارس” لابد منه!.
————————–
*كاتب وصحافي عراقي