قد تجد قليلا من العرب ممن هم معجبون بترامب وطريقة حكمه وتعامله مع مختلف القضايا العالمية, لكن الغالبية كانت تكره طريقته العنصرية والمتعالية المتعجرفة.. وهذا الإنطباع موجود في كثير من دول العالم بل وحتى عند حلفاء أمريكا الأوربيين.. وتجده أيضا عند كثير من الأمريكيين ممن أصولهم ليست شبيهة بأصول ترامب وأمثاله وكما ظهر في إحصاءات المصوتين له ولخصمه بايدن..
قد يتصور البعض أن ترامب هو شخصية سيئة وقبيحة, وأنه قد نجح في الفوز بالإنتخابات في غفلة من المؤسسات المعروفة التي تقود أمريكا, وأنه وبذكاء إستطاع أن ” يستعدي” الإعلام الأمريكي, وكسب لصفه الجمهور حين هاجم وسائل الإعلام كلها, ونجح في أن يشيطنها قبل أن تفعل هي معه ذلك.. وأستغل صعود النفس العنصري لدى البيض ليفوز بالرئاسة, لكن الحقيقة غير ذلك مطلقا..
أمريكا وكلنا يعرف ذلك, أنها قد يحكمها رئيس لكنه ليس من يقودها ويحدد سياساتها العامة.. فهناك مؤسسات ضاربة في القوة والرسوخ والتحكم بمختلف نواحي الحياة, هي من تقرر من وكيف ومتى وأين وعلى المدى الإستراتيجي, ولأن المجتمع الأمريكي بدأ يتفكك فلا روابط حقيقية أو تاريخية يمكن أن تجمعه معا إلا المصالح, وصار يكره الساسة وتدنت نسب المشاركة بالإنتخابات, صارت هناك حاجة لان يحصل تغير ما يعيد جذب المجتمع لتلك المؤسسات, ويعيد حيويتها لها من خلال تفاعل الجمهور الأمريكي معها..
بدأت تلك العملية من خلال دفع شخص من أصول أفريقية للرئاسة في سابقة لم تحصل ولا حتى محاولات لها من قبل.. ومنحه مقومات الفوز وهو “أوباما” لينفذ سياسات الإحتواء والمهادنة وربما التلويح بالقوة دون إستخدامها, إلا بشكل محدود جدا وضد التنظيمات الإرهابية, التي سبق أن صنعتها إدارات أمريكية سابقة.. ولتمضي فترتيه الرئاسيتين بشكل هادئ نسبي دون حرب كبيرة.
كانت المرحلة التالية من خلال الدفع بسيدة من داخل المؤسسة السياسية للمنافسة, لكن ذلك لم يكن كافيا إلا بمقدار دفع شريحة النساء للتفاعل.. فصارت هناك حاجة لشخصية أكثر لفتا للإنتباه أو كما يقال ” مثيرة للجدل” .. ولأن تلك المؤسسات وكل ينتمون لها أو يدورون في فلكها كانوا, تقليدين وغير مثيرين لإهتمام الجمهور, صارت هناك حاجة ملحة للإتيان ” بمهرج” من خارج المؤسسة وهذا ما حصل فكان ترامب..
مقامر تجاري ومضارب عقاري, لديه مواقف كثيرة وكلها غريبة ومثيرة للنقد ويملك الكثير من المال, ولديه شكل براق ولامع يمكن أن يمثل النموذج للحلم الأمريكي الصاخب ” للكاوبوي الغربي”.. ولم يكن هناك ضرر كبير من كل تصرفاته العنصرية الرعناء وتهوره المحسوب, فهي كلها كانت تصب في مصلحة أمريكا ومؤسساتها بالمجمل, ويسهل لمن يأتي بعده أن ينتفع من نتائجها ويتبرأ من تبعاتها ويلصقها بسابقه الذي سيرحل مرغما..
ترامب ورقة وشخصية كان لها دور وقد أدته وبكل براعة, وقد أنتهى دوره وعليه أن يعود للكواليس.. وكل المساوئ والأخطاء التي إرتكبتها أمريكا خلال فترة حكمة لم تكن بسببه هو شخصيا فحسب, لكنها كانت رغبة المؤسسة التي جعلته واجهة وقناعا ترتديه, فالمرحلة كانت تتطلب حالة ” ترامبية” لتحقق أهدافا معينة, وتنتهي المرحلة بتحقق أهدافها.
الرجل لم يجعل أمريكا سيئة وقبيحة خلال فترة حكمه, بل هو مثل أحد وجوه أمريكا الحقيقية القبيحة والتي تطلبتها المرحلة.. وقد إنتهت تلك المرحلة وسنظل في إنتظار الوجه بل القناع القادم الذي سترتديه مع تولي الرئيس الجديد.