ترامب وتقليده السيء لنيكسون

ترامب وتقليده السيء لنيكسون

في 28 فبراير، تعرض فولوديمير زيلينسكي لكمين. كوماندوز روسي؟ لا، المكتب البيضاوي للبيت الأبيض. في اللحظة المناسبة، هاجمه الصحفي الأميركي قائلا: “لماذا لا ترتدي بدلة على الإطلاق؟”. وبسبب لغته الإنجليزية السيئة وسوء فهمه للسياسة الأميركية، وقع الرئيس الأوكراني في فخ. تتابعت الهجمات: جي دي فانس، ثم دونالد ترامب. وقبل أيام قليلة من هذا اللقاء، كان الرئيس الأميركي قد وصف نظيره بأنه “دكتاتور بلا انتخابات” مؤيد ب”4% من الآراء الإيجابية فقط”، وهو تكرار حرفي لكلمة الكرملين.
ما يلفت النظر هو التماسك الاستثنائي للتواصل. لا يوجد أحد في حاشية ترامب يعترف بأن روسيا غزت أوكرانيا. وإذا كان هذا الانقلاب الأورويلي في الخطاب (روسيا المعتدية تصبح الصديق، وأوكرانيا التي تتعرض للهجوم، العدو) يستحضر أساليب الأنظمة البغيضة، فإن هناك من يستسلمون لإغراء النظر إليه باعتباره ضرب من العبقرية الدبلوماسية، أو “تكتونية الصفائح” الجيوسياسية التي تذكرني بالتحالفات الصينية الأميركية في عام 1972. إذن، وبعد مرور خمسين عاما، هل سنشاهد ترامب في دور ريتشارد نيكسون، وفانس في دور هنري كيسنجر؟ يعلم كل فرد في حاشية ترامب أن ترامب يعول على إنهاء الصراع الأوكراني للفوز بجائزة نوبل للسلام.
كان ما فعله نيكسون بلا شك أحد أعظم الانقلابات الدبلوماسية في القرن العشرين. في فبراير 1972، قام الرئيس نيكسون برحلة إلى بكين، منهيا خمسة وعشرين عاما من العلاقات المتوترة بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة. وأدت هذه الرحلة، التي أعقبت أشهرا من التحضير وعدة رحلات سرية قام بها هنري كيسنجر، إلى التطبيع الرسمي للعلاقات بين البلدين بعد سبع سنوات. ولدى عودته إلى قاعدة أندروز الجوية بالقرب من واشنطن، تم الترحيب بالرئيس الأميركي باعتباره بطلا. حتى أن الصحفيين تحدثوا حينها عن “ترحيب ملكي”. كانت أهمية الحدث كبيرة لدرجة أن جون آدامز قام فيما بعد بعمل أوبرا عنه بعنوان “نيكسون في الصين”.
في ذلك الوقت، واجه نيكسون سلسلة من التحديات: أعمال الشغب في المدن الأميركية الداخلية في عامي 1967 و1968، وارتفاع معدلات الجريمة، البطالة، التضخم، أزمة العملة، وانهيار نظام بريتون وودز في أعقاب تعليق قابلية تحويل الذهب إلى الدولار. وعلى المستوى الخارجي فإن الأمر لم يكن أفضل: فحرب فيتنام تستنزف الاقتصاد الأميركي، والحرب الباردة من خلال تكاليفها الدفاعية المستحثة، تحد من احتمالات التعافي الاقتصادي.
ومن ناحية أخرى، أدت الأحداث الحدودية في عام 1969 إلى إنهاء العذاب الذي عاشه التحالف الصيني السوفييتي، الذي أبرم في عام 1950 بين جوزيف ستالين وماو تسي تونج. انتهزت إدارة نيكسون الفرصة وبدأت واحدة من أشد عمليات الانقلاب على مستوى التحالف في التاريخ الحديث. وكانت النتيجة نجاحا ملحوظا.
وبعد مرور عام، وقع السوفييت والأميركيون على أول معاهدة لمنع انتشار الأسلحة النووية، وانتهت حرب فيتنام بعد ذلك بوقت قصير، وبدأت الصين والولايات المتحدة ما أصبح التعاون التجاري الأكثر أهمية في العالم بين البلدين. نحن نعلم أن ترامب ونيكسون كانت بينهما مراسلات مستمرة في الثمانينيات، وأن الرئيس الأميركي السابع والأربعين أعجب بما فعله نيكسون مع الصين. فهل يسعى المتدرب إلى تجاوز المعلم؟ فبذريعة إنهاء الحرب في أوكرانيا، فإن دونالد ترامب، بحسب بعض المعلقين، على وشك القيام بانقلاب دبلوماسي بنفس الحجم. ومع ذلك، لا يوجد شيء قابل للمقارنة… في عام 2025، أصبحت روسيا الشريك الأصغر في التحالف الصيني الروسي (وكان العكس في عام 1972). فمع عدد سكان يبلغ نصف عدد سكان الاتحاد السوفييتي واقتصاد صغير مقارنة بالصين، يرى البعض أن روسيا ستستفيد من موجة الاستثمارات الأميركية في الطاقة والتعدين والعقارات وغيرها.
إن التقارب الروسي الأميركي سيعني نهاية التحالف الصيني الروسي، ورافعة نفط جديدة للتعويض عن عدم القدرة على التنبؤ بالشرق الأوسط، والوصول إلى التربة النادرة والمعادن الاستراتيجية (رهانات معركة مع الصين للسيطرة على تكنولوجيات المستقبل)، والسيطرة على القطب الشمالي، اللعبة الكبرى المستقبلية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الحادي والعشرين.
كل هذا من شأنه أن يسمح للأميركيين بخفض الإنفاق الدفاعي، وعزل الصين، المنافس الوحيد للولايات المتحدة على التفوق العالمي، وقتل مبادرات البريكس. فهل يمكنني اعتبار ترامب أحد عباقرة الدبلوماسية؟
يمكنني أن أرى خلف هذا السيل من التصريحات والتهديدات والإهانات، استراتيجية متماسكة للغاية والتي يمكن تقسيمها إلى عدة نقاط. دعوني أتناولها واحدة تلو الأخرى:
أولا (قبل انتخاب ترامب): استغلال ضجر الشعوب الغربية وجعل إنهاء الصراع الهدف الأكبر، مهما كان ثمن ذلك.
ثانيا: (كانون الثاني/يناير – شباط/فبراير): توضيح أن التقارب الأولي بين موسكو وواشنطن هو شرط أساسي لأي حل للصراع.
ثالثا (قبل أسبوعين): الاستمرار في تقويض الروح المعنوية الأوروبية وتذكير الأوربيين بأنه لا أهمية لهم في أي شكل من أشكال المفاوضات، من خلال التهديدات التالية: التعريفات الجمركية، المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسي، عودة القوات الأميركية. وتهديدات أخرى: جرينلاند… إلخ. والسخرية الأقرب إلى الشتم: قول فانس عن الجيش البريطاني والفرنسي، أنهما لم يخوضا حربا منذ 40 سنة.
رابعا (الأسبوع الماضي): مواصلة أعمال هدم فولوديمير زيلينسكي، الهادفة إلى جعله ينحني، وكسر الدعم الأوروبي له، وقبل كل شيء، تشويه صورته كقائد محارب، وبطل وقف ضد الغزاة. نعم، تشويه صورة زيلينسكي إلى الحد الذي يجعل بوتين يبدو شريكا تفاوضيا مقبولا للجماهير الأميركية والأوروبية.
خامسا: إثبات أن أوروبا تشكل عقبة في طريق مفاوضات السلام، من خلال تشويه سمعتها بكل السبل الممكنة. ومن الواضح أن الهدف ليس التحالف مع روسيا لشن حرب على أوروبا، ولكن الضغط على أوروبا من أجل الحصول على موافقتها الضمنية، الأمر الذي يؤدي إلى انسحاب القوات الأميركية من الجبهة الشرقية لحلف شمال الأطلسي، والحصول على تنازلات تجارية، وزيادة شراء الأسلحة من الولايات المتحدة.
سادسا: إخضاع أوروبا وأوكرانيا، والتوقيع على خطة السلام، وإعادة دعوة روسيا إلى مجموعة السبع.
ما هي الأسباب الحقيقية لهذا الانقلاب في التحالفات؟ أولا، العلاقة مع فولوديمير زيلينسكي. لدى دونالد ترامب آليتان فقط للعمل مع الآخرين:
1- إنه يريد منهم الإطراء أو الخنوع (زيارة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للولايات المتحدة ومعه رسالة موقعة من الملك يدعو فيها ترامب لزيارة دولة، كما دعاه إيمانويل ماكرون للحضور إلى إعادة فتح نوتردام).
2- يحترم ويعجب بالرجل القوي (فلاديمير بوتين على رأس ترسانة مكونة من 6000 رأس نووي، وإيلون ماسك أغنى رجل في العالم، وحتى باراك أوباما، الذي تم انتخابه مرتين للبيت الأبيض).
لا يقتصر الأمر على أن زيلينسكي لا ينتمي إلى أي من هاتين الفئتين، ولكنه أيضا صغير وضئيل، ويقود دولة “تخسر الحرب”، ويحمله ترامب المسؤولية عن محاكمة عزله الأولى (حين طلب ترامب من زيلينسكي البحث عن معلومات “قذرة” حول تعاملات تجارية في أوكرانيا لهانتر، نجل الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. ولكن زيلنسكي لم ينفذ ما طلب منه). ما لم تحدث معجزة، فإن ترامب لن يتعامل أبدا مع زيلينسكي.
وكذلك “مؤسسة التراث”، مركز الأبحاث الذي يقف وراء رؤية إدارة ترامب. إذا كانت قراءة “المشروع 2025” لا تخبرنا إلا القليل عن جرينلاند، فبالمقابل، نجدها واضحة وضوح الشمس فيما يتعلق بالرؤية الجيوسياسية التي تتبناها الإدارة الأميركية الأكثر يمينية منذ أكثر من 100 عام. الهدف الحقيقي هو الصين.
يتم تصوير الصين على أنها خصم سياسي واقتصادي وعسكري ونووي. إن التقارب مع موسكو بهدف عزل الصين يشكل جزءا من منطق اليمين الترامبي.
وأخيرا، التقارب الإيديولوجي بين روسيا بوتين واليمين الأميركي. إن الخطأ الكبير الذي ارتكبته أوروبا هو الاعتقاد بأن اليمين الأميركي محب لأوروبا. تشير هجمات فانس المتكررة إلى أن أوروبا بالنسبة للعديد من مجموعات لنجعل أميركا عظيمة من جديد (MAGA)، تسير على غير هدى: اجتماعيا وثقافيا (الهجرة، التخلي عن المسيحية، وانتهاكات حرية التعبير)، واقتصاديا (الإفقار، والضرائب)، وجيوسياسيا(انهيار الإنفاق الدفاعي).
من المؤكد أنه حتى الأعضاء الأكثر افتقارا إلى الكفاءة في إدارة ترامب لا ينظرون إلى روسيا بوتين باعتبارها نصيرا للمبادئ الديمقراطية، لكنهم يعتنقون نفس القيم المحافظة (مناهضة الصحوة Woke، الدين، الإيمان باستخدام القوة، الوطنية المتطرفة).
إن التقارب بين الولايات المتحدة وروسيا يشكل وهما خطيرا. أولا، لا تملك موسكو الوسائل اللازمة لتحرير نفسها من نفوذ الصين. والأخيرة هي المستورد الرئيسي للنفط والفحم الروسيين، اللذين من دونهما لن تكون روسيا قادرة على تمويل آلتها الحربية. كما أن بكين أيضا مسؤولة عن غالبية صادرات المكونات الإلكترونية المستخدمة في الأسلحة الروسية. ثم هناك البنوك الصينية والقروض والتدريبات العسكرية المشتركة وما إلى ذلك.
إن الإمكانات الاقتصادية التي يروج لها ترامب ليس لها أي معنى. سيكون هذا بمثابة تكرار لما حدث في التسعينيات عندما استثمرت الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات لتحويل الاقتصاد الروسي إلى اقتصاد السوق، فكانت النتائج التي نعرفها.
إن ما يسمى بالتقارب مع روسيا سيكون بمثابة شيك على بياض لجعل أوروبا الهدف الأول للعمليات السرية الروسية، مع هدف مشترك بين إدارة ترامب وبوتين: نهاية الاتحاد الأوروبي وعودة مناطق النفوذ ــ أوروبا الغربية بالنسبة للولايات المتحدة، وأوروبا الشرقية بالنسبة لروسيا.
إن أوروبا تدفع ثمن ثلاثين عاما من الأوهام. يشعر الأوربيون بالإهانة والسخط والشلل، فقد ضحوا بالدفاع عن أنفسهم باسم السلام الوهمي وسعوا إلى تقديم نموذج اجتماعي طوباوي.
دعونا نأمل أن تدفع هذه الصدمة الجيوسياسية أوروبا إلى مواجهة الواقع أخيرا: إذا كانت راغبة في الحفاظ على نموذجها الديمقراطي الاجتماعي والليبرالي، فيتعين عليها أن تشرع على وجه السرعة في زيادة الميزانيات العسكرية بشكل كبير، وهو ما يصاحبه إعادة بناء صناعة الدفاع، واستثمارات كبيرة في الاستخبارات والدفاع السيبراني، والدفاعات المضادة للطائرات، وتحديث المظلة النووية.