ترامب : نشوة الأحمق في كارثة

ترامب : نشوة الأحمق في كارثة

كثيرة هي العناوين التي يمكن أن تُتوَّج بها ترويسة مقال عن تصرفات طائشٍ، متسرعٍ، منحاز، لا يعرف التروي، ولا يمتلك أدنى درجات الحلم أو الحكمة، لكنه مع ذلك يتربع على كرسي رئاسة دولة عظمى.
-انه الأحمق المنتشي في لحظة خراب
– طفل يلهو بالنار النووية
– طائش بصفة رئيس، وسمسار بثياب زعيم يبيع الشرق الأوسط… ويحرقه
– مختل البيت الأبيض الذي أغرته أزرار الصواريخ
يضرب ويضحك.. ويتنافخ بسوءته، إنه أول من قصف إيران… لكنه أيضًا آخر من قرأ التاريخ
(سجّلوها للتاريخ: ترامب يكتب نهايتنا بغروره
يضرب ويتباهى، فيتفاخر بحلول كارثة!)
ليس سهلًا أن تجد رئيسًا لدولة عظمى يتصرف كما يتصرف دونالد ترامب. إنه رجل السياسة الذي لا يقرأ، ورجل القرار الذي لا يفكر، و”رئيس” الدولة الذي يشبه إلى حدٍ بعيد مراهقًا طائشًا، اكتشف فجأة أنه يملك أزرار الصواريخ النووية، فراح يعبث بها ملوّحًا في كل الاتجاهات.
آخر فصول الحماقة كانت الضربة العسكرية ضد منشآت نووية إيرانية، تباهى بها ترامب كما لو أنه سجّل هدفًا في مرمى الخصم في نهائي كأس العالم.
خرج إلى الإعلام منشرح الصدر، منفوخ الأوداج، ولسان حاله:
“سجّلوا للتاريخ.. أنا أول من ضرب المشروع النووي الإيراني!”
ولم يخطر بباله – وهو لا يميز بين التخصيب النووي وتحضير مسحوق البروتين – أن العالم ليس حلبة ملاكمة يُحسم فيها الصراع بلكمة قاضية.
فالسياسة ليست عرض مصارعة، والمنطقة التي يلهو فيها بالنار ليست صحراء خاوية، بل أرض مأهولة بالتاريخ، والثروات، والبشر، والاحتمالات الكارثية.
ترامب لا يُمارس السياسة، بل يُتاجر بها.
ليس رجل دولة، بل سمسار رخيص باع كل شيء من أجل رضى إسرائيل: قرارات، علاقات، حتى ماء وجه أمريكا!
أتى إلى الخليج، فحلب أضرعه، ثم خرج من الباب الخلفي وجيوبه تتدلى بخمسة تريليونات دولار، بينما بقيت المنطقة تغلي تحت رماد قراراته المتهورة.
ولأنه لا يكتفي بالعبث المالي، أراد المجد الدموي.
أراد أن يُسجل اسمه في كتب التاريخ، لا كباني سلام، بل كهادم توازن.
أن يكون أول من يُشعل شرارة حرب نووية في الشرق الأوسط، غير مبالٍ بالبيئة، ولا بالإنسان، ولا بمستقبل البشرية.
هو لا يعرف شيئًا عن الجغرافيا، ولا التاريخ، ولا العقائد، لكنه مغرم بـ”الاستعراض”، حتى لو كان على جثث الأجيال القادمة.
وهنا، يجب أن تتوقف المجاملة الدولية.
الصمت على هذا الطائش هو خيانة لمفهوم “القوى العظمى”.
وعلى روسيا والصين – بما تمثلانه من ثقل استراتيجي عالمي – أن تتصرفا بما يليق بمكانتهما، لا بردود خجولة، بل بخطاب واضح، صارم، ورادع، يُلجم هذا الجنون السياسي الأمريكي.
لقد آن الأوان لهاتين القوتين أن تتحمّلا مسؤوليتهما الأخلاقية والتاريخية، وتُدركا أن ترك ترامب يُشعل فتيل انفجار نووي في قلب آسيا، سيكون بمثابة جريمة صمت دولية لا تُغتفر.
بل وحتى باكستان – بما تمثّله من توازن إسلامي نووي – لا ينبغي لها أن تبقى متفرجة على مشهد الانفلات الأمريكي.
فحماية التوازن لا تتحقق بالأمنيات… بل بالمواقف.
• رسالة مفتوحة لدول الخليج
ويبقى السؤال المُحرج لدول الخليج:
هل ستنجو هذه الدول إذا اندلعت الحرب حقًا؟
وهل ستقف التريليونات الخمسة التي سلّمتها طواعية لسمسار البيت الأبيض حائلًا أمام صاروخ إيراني واحد يستهدف قاعدة أمريكية على أراضيها؟
إن التبعية العمياء – مهما زُيِّنت بلغة الشراكة – لا تصنع أمنًا، ولا تمنح سيادة، بل تُحوِّل الأرض إلى ساحة حرب بالوكالة، والشعوب إلى دروع بشرية.
لقد آن لدول الخليج أن تعيد التفكير بعمق وصدق:
هل من الحكمة الارتماء في أحضان إدارة متهورة، يقودها رجل طائش، يضع مصالحه الشخصية فوق مصالح الجميع؟
أم أن الأفضل – والأكثر استقرارًا – هو بناء تقارب واقعي مع دولة جارة، مسلمة، أصيلة، مؤثرة في المحيط الإقليمي، حتى لو اختلفنا معها سياسيًا، لكننا نتفق معها في الجغرافيا، والدين، والمصير؟
إن البديل عن التبعية… ليس المغامرة، بل العقلانية السيادية.
وإن الأمن لا يُشترى من وراء المحيطات… بل يُبنى مع الجيران.

أحدث المقالات

أحدث المقالات