مقدمة
ان من محن الشعب الأمريكي في كل سباقات الإنتخاباتالتقليدية انها كانت بلا شذى التغيير بالسياسة الخارجية الأمريكية مع العرب , او بالمواقف الدولية لصالح الشعب الأمريكي كأولوية عقلانية اولى تنسجم مع الديانة المسيحيةالعاقلة , لينال منها الناخب الأمريكي قدرآ كبيرآ من الفائدة بدلآ من ان ينال من حروب المرشح للرئاسة الأسى والدموع زمنآ طويلا ,
من هذه الإنتخابات تلك التي جرت في 5 نوفمبر 2024 ,فمن شرورها انها لم تكن نموذجآ للديمقراطية المطلوبة من قبل الشعب الأمريكي , والتي تبجحت بها الإدارات الحكومية السابقة , بل كانت بمحاورها المتعددة ودلالاتها وتمظهر جوهرها بالنهاية , انها ليست سوى مزاد سياسي اقتصر على شخصيتين حصرآ ,
بينهما فارق جوهري تمثل بالاسلوب والمنهج والأداء الوظيفيالخاص بالدعم السياسي واللوجستي الشامل للكيان المحتل, وهذا الفارق الجوهري لم يكن مرتبطآ بأي تنافس لأي وعد بمشروع انساني او اخلاقي , كوقف الإبادة في غزة , مثلآ , او سرعة إيصال المساعدات اليها , او الوقوف بوجه الحرب ضد لبنان وعدم توسعها بالمنطقة ,
بل كلاهما لم يتجاوزا حدود الغاية الواحدة وهي الولاء للصهيونية , بدلآ من الولاء للوطن وللشعب الأمريكي كونهم امريكيين وليس من دولة الكيان المحتل , لذلك سارت الإنتخابات كسابقاتها على طريقة أي مزاد تجاري يزايد فيه المرشحون على طرق دعمهم لدولة الكيان وخاصة من جانب الرئيس الأمريكي السابق ترامب الذي صنع من زميلته كاملا هاريس المرشحة المناوئة الكبيرة لذلك الدعم ,
بسبب انتقاصه سواء بشخصيتها التي نعتها بالمجنونة او بأصلها الهندي– الجامايكي الأسود او فكرها الماركسي الذي المح اليه , وهذه تذكر الأمريكان بمحاور سياسيةقديمة تشكل بها المشهد السياسي الأمريكي وخاصة بآيديولوجية ” الووكيزم ” ,وهم جماعة التنوع والمساواة والشمول – دي إي آى– (DEI) Diversity, Equity, and Inclusion‘”. المنحدرين من اصول مهاجرة والمرتبطة بالديمقراطيين واليسار الأمريكي وتعني الوعي بإنعدام المساواة الإجتماعية والتمييز على اساس العرق او اللون او الجنس او الميل الجنسي ,
وضمن هذا السياق فقد ركزت كمالا هاريس , ايضآ , على اصطياد العيوب الشخصية للرئيس السابق ترامب والتركيز عليها , وأهمها انها صوّرته على انه خيار ينطوي على مخاطر , لأنه يعد اكثر المهتمين بإشاعة اجواء الخوف وسط الأمريكيين بدلآ من حل مشاكلهم ,
وهي إشارة الى تذكير الناخبين بالأضرار التي تسبب بها خلال ولايته الأولى وخاصة بخطابه التحريضي في السادس من كانون الثاني عام 2020 .
وعلى العموم , ان اهم حقيقة ظهرت من بين محاور هذا النمط من الإنتخابات كانت على محورين مهمين :
المحور الأول – المزايدة على الولاء للكيان المحتل
بعد انتهاء عرض المزاد الخاص بالافعال والوعود التي ستقدم الى الكيان المحتل في اطار الإنتخابات الامريكيةالتي تديرها بالخفاء وتتلاعب بها المنظمات الصهيونية وعلى رأسها الأيباك واللوبي الصهيوني المؤثر في الكونغرس الأمريكي وفي التصويت الشعبي , وبدعم من اصحاب المصانع من اليهود وشخصيات امريكية اخرى ثرية وعلى رأسهم الملياردير الأمريكي إيلون ماسك , علمآ ان ثروات هؤلاء زادت بسبب فوز ترامب الذي انعش قيمة الدولار والأسهم في الأسواق ,
وبهذه المنافع المقدمة الى الرئيس السابق ترامب , فقد رسى المزاد عليه لقيادة امريكا ثانية بدلآ من منافسته الديمقراطيةكمالا هاريس , بل وتثبّت المزاد عليه على الرغم من عثراته السياسية السابقة التي ركّزت عليها هاريس ولكن من دون جدوى ,
وكانت أولى عثراته , التحريض على اقتحام مبنى الكابيتول من قبل مناصرية , والثانية بإخفاء وثائق سرية مهمة في بيته , والثالثة قضيته مع الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز , وللذي يحصي التهم الأخرى ومعها التهم الخاصة بالتزوير والرشى لشراء صمت النساء سيجدها كثيرة ,
مع ان الرئيس ترامب علّق على جميعها قائلآ : انها محضضغوطات سياسية من مناهضيه السياسيين لإبعاده عن الإنتخابات الآنفة الذكر , ولكن نظرآ لأهميتها فإنها ستظل تطارده وهي تقضم جوانب شخصيته السياسية الى ان يسكن بين النائمين تحت التراب ,
من الملاحظ عند التمعّن في وصف الإنتخابات , نجد انها جرت هذه المرة بمسحة واضحة من صراع دراماتيكي بين الديمقراطيين والجمهوريين يذكر بذات الصراع بين الأسرتين الإيطاليتين المتقاتلتين ” منتيغيو وكابوليت ” الفيرونية القديمة ( نسبة الى مدينة فيرونا ) التي وظفهما شكسبير في عمله الادبي الخالد ” روميو وجولييت “ ,
إلا انهما هنا يجلسان معآ بتشكيلتين حزبية رغم العداء الظاهري , فتراهم يرقصون بكل حفل تنكري يشتركان به , لأنهما يشتركان بالحب والمودة الكبيرة والموالاة للصهيونيةكمعادل موضوعي عن ” جولييت “ التي تديم التواصل بينهما منذ امد بعيد مهما ابتعدا , كما اشتركت من قبلالعائلتين المذكورتين بحبها ,
والموالاة للصهيونية بالإنتخابات كانت هي بوصلة العمل السياسي لديهما , وترتكز على الإنحياز لمصالح الكيان المحتل من ناحية , وضد مصالح وتطلعات الشعب الفلسطيني بشكل خاص , وعلى نشر الحروب وخنق الشعوب بالعقوبات الإقتصادية بشكل عام للهيمنة عليها لتنفيذ مشاريع إقتصادية مستقبلية من ناحية اخرى , اما التداني عن الولاء للصهيونية من قبل اي سياسي , كهاريس مثلآ , او حاكم او امير فيعتبر منقصة منه وغلظة موجهة نحو ذلك الكيان ,
لذلك اعتبر ترامب ان كاملا هاريس تكره دولة الكيان المحتل , وتصيّد منها أنها لم تحضر خطاب نتياهو الذي القاه في25 تموز 2024 امام الكونغرس الأمريكي والذي اظهرت به السلطة التشريعية والتنفيذية بالبلاد ولائها الكبير للصهيونية وهي تصفق للمجرم الإرهابي نتنياهو على إبادته للنساء والأطفال والشيوخ من الشعب الفلسطيني , وانهما على دينه وسياسته الإجرامية ,
وهنا يتحتم القيام بالتساؤل المفتوح : اين الإدارات الأمريكية التي تدعو الى الديمقراطية والحرية , وهذه حقيقتهم الصارخة بالموالاة للصهيونية بشكل سافر وللتطهير العرقي والإبادة الجماعية للشعوب وصناعة داعش الإرهابي , اليست هذه حقيقتهم المتعاقبة ؟ وعلى أي اساس يمكن ان يتأمل المواطن الامريكي من المجرم والإرهابي ان يكون عادلآ في الحكم على الشعوب ويدعو الى الحريةوالديمقراطية ؟
ولأن هاريس , من ناحية اخرى , شددت على اجراء صفقة تبادل الرهائن وانهاء الإبادة وان يكون للفلسطينيين حق في الكرامة وتقرير المصير , وهذه هي الغلظة التي تصيّدهامنها ترامب وتسببت بإنتكاسة ومذمّة لهاريس من ناحية , ورجاحة في توجيه النقد السياسي لصالح الصهيونية , بذلك تم إرساء المزاد الإنتخابي عليه بحسب ماخرج من بطنه ومن بطن هاريس بالإنتخابات .
المحور الثاني – ما اسرَّه الفوز بالمزاد وما اظهر
في مزاد الإنتخابات , ظهر لدى المنظمات الصهيونية ان احسن المرشحين الذين صدقوا بالود والموالاة لدولة الكيان هو دونالد ترامب ليكون رئيسآ لأمريكا , وهو الرجل الذي ترتجيه وخاصة في الإبادة الحالية التي ترتكبها بحقالشعب الفلسطيني , ليكون اولآ جزيل العطاء بالمال والسلاح لها ,
وعونآ على تحقيق اهدافها القريبة والبعيدة , والأول في السبق الى تحقيق امجاد الصهاينة التي وعدتهم بها التوراة المزيفة التي كتبها كهنتهم ايام كانوا كالأبل الجرب اسرى في بابل ثانيآ , اما دعوته التي اطلقها بالمشي الى الطريق الذي يبتغي به سرقة اراضي الأردن والسعودية وربما في سوريا ولبنان بلا احساس وعاطفة بشرية من اجل توسيع اراضي كيانه المحتل ,
فتلك هي النعمة التي وعد بها الكيان المحتل وإلا ماهو تفسير انتشار بوسترات اليهود المعلقة على الجدران اثناء الإنتخابات وقد كتب عليها بالعبرية والأنكليزية ” ستكون دولة الكيان عظيمة ” على غرار قافية ” America will be great again” , وذلك هو الكابوس الذي ينتظر العرب والفلسطينيين الذي سيفتح على الجميع باب الحروب على مصراعيها ليصبح الشرق الأوسط باللون الازرق الصهيوني , ولن يبقى من العرب( اعيذهم بالله ) سوى أسرّة الملوك والأمراء وهم يقرأون عليها قصصهم التليدة ,
وهذا الكابوس هو من نماذج فوضى إستراتيجيتهالسياسية العبثية , المدموغة بصبغة رعاية التطبيع تحت عنوان ” الإتفاق الإبراهيمي “ والإغتيالات و الغرابة والجدل التي عُرفت بها حقبة رئاسته الأولى , وقد اغظي عنها طرف المزاد الإنتخابي كما اغظي طرف الملوك والأمراء العرب ولم يدحضون حجج ترامب , كما دحضوا بالتطبيعحجج القرآن المنزل على الرسول الكريم , بل ناصروه وهم مطأطئي الرؤوس خوفآ على ما لديهم من سلطان وثروات وسؤدد :
اما حجج القرآن القرآن فكانت الأولى وهو يخاطب اليهود ” فبشرهم بعذاب اليم ” و الحجة الثانية ” اولئك الذين حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة ” , والحجة الثالثة قوله تعالى ” وما لهم من ناصرين ” ,
وبقيت موضوعة سرقة الأراضي من الأردن والسعودية والعراق من الأمور المسكوت عنها بالإنتخابات لحين تتوفر الإجابات عنها من قبل الصهيونية العالمية التي لم يتخيلاحدآ من كهنتهم يومآ انهم سيصنعون للعرب مثل هذا الكابوس ابدا ,
ناهيك عن وعوده بإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية بيوم واحد ودعوته الوقحة الى ضرب المفاعل النووية الإيرانية التي تذكّر بالوقاحة نفسها التي صرح بها بإعطاء الأمر لقتل أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني في مطار بغداد عام 2020 بلا مراعاة للقوانين الدولية والسيادة الوطنية العراقية .
في المزاد الإنتخابي , لم يرد اسم العراق على لسان ترامب او كمالا هاريس بصورة واضحة , لتكون مفيدة بتشخيص الإجراءات التي ستشكل نوع العلاقة الثنائية بين العراق وامريكا في عهد ترامب , نظرآ الى جذب العراق لإنتباه العالم بالمقاومة المسلحة ضد الإبادة التي يقوم بها الكيان المحتل ضد الشعب الفلسطيني , والتي لاتروق للإدارة السابقة ولا لللاحقة ,
والتي يستنبط منها ان المقاومة تستند في تشكيلاتها المسلحة على ثوابت عقائدية ثابتة , وهي مقاومة لاتنتهي مع المحتل سواء على المستوى الفردي او الجمعي وإن كانت ساكنة او بعيدة عن الأفعال والمواقف الداعية الى تحرير الأرض العربية المحتلة من براثن الصهيونية ,
وقد دعا الى تأسيسها السيد علي السيستاني دام ظله لتدافع عن الوطن والقيم الإسلامية ضد الأفكار الإرهابية المتطرفة , ثم تطورت بسماتها الى حركة تحرر حالها حال منظمة الشين فين التي ناضلت ضد الوجود البريطاني في إيرلندا الشمالية , كونها انبثقت من النسيج الشعبي العربيالعراقي بشكل عام ,
لتعمل على تحويل الطاقة العقائدية الى سلاح مقاوم ضد الإحتلال الغاصب للأرض العربية المدعوم بشكل مباشر من قبل قوات الأحتلال الأمريكية بالعراق التي تحارب العراق وشعبه وتمنعه من الدفاع عن اراضيه ومقدساته , وحركة التحرر لاتمت بصلة مع القوانين الأوربية او الأمريكيةالإستعمارية او تنحصر مع شكل العلاقة بين الخارطةالسياسية للوطن المحتل مع العالم المؤيد للكيان الغاصب ,
او ايِّ حكومة موالية الى امريكا او مطبّعة مع الكيانالغاصب والمحتل , وهي تؤمن ان مثلما يتم التعامل مع المقاومة الفلسطينية العاملة في الكيان المحتل , ينبغي ان يتم التعامل معها حصرآ لأن المقاومة الحقيقية لاتتجزأ برؤية تحرير الأرض المحتلة , ولا بممارسة حق الدفاع عنها وفقآ للقوانين ذات الصلة والشرعية الدولية ,
وإن كانت امريكا او الإتحاد الأوربي قد اصيب كلاهمابالدهشة من قوة هذه المقاومة , فهذا لايعني ان لهما الحق على ضربها نيابة عن الكيان المحتل لتقوّض بذلك علاقتها مع الحكومة العراقية والشعب العراقي أو تلجأ الى فرض عقوبات ضد العراق لأنها تعمل في اراضيه التي هي موطنها الأصلي المهدد بالإحتلال او استقطاع اراضيه المقدسة ,
بل الأجدر ان يتم التفاوض معها وفقآ للرؤية التي يراها اصحاب الأرض انفسهم وليس بشكل مستقل لأنها جزء مكمل للمقاومة العربية الفلسطينية وداعم بشكل وثيقالصلة مع استراتيجية القوى الفلسطينية لغاية إسترجاع كافة حقوقه المشروعة , ولا تستبقها بأي قرار يخص الجانب الفلسطيني ,
والجدير بالإشارة , ان السيد السيستاني ( دام ظله ) حين دعا الى ان يكون السلاح بيد الدولة فإنه لم يشر الى سلاح المقاومة فيما قصد , وليذهب اليه المعنيون لتحديد مضمون دعوته وفقآ لأساس المبدأ الذي تم بموجبه تأسيس المقاومة واهدافها , لأن الوجود العسكري الأمريكي المعادي للعراق والداعم للكيان والمشارك في حرب الإبادة ينبغي ان يغادر العراق ويتركه ليعيش حياته بأشكالها المتنوعه ,
وليقرر مصير شعبه ومستقبله بعيدآ عن الهيمنة السياسية والإقتصادية , اما اختزال قدراته العسكرية والصناعية والعلمية فذلك يفسر على نحو يبقى فيه العراق ميدانآ للإختراقات من قبل امريكا وآخرها الكيان المحتل .
الخاتمة
المعروف ان الغرض من الإنتخابات كما تألفه شعوب العالم , هو الرغبة بتغيير الواقع السياسي والإقتصادي لأي بلد من خلال تحويل افكار عقلانية عليا بإطار وجهات نظر يتبناها المرشح اثناء مناضراته في الإنتخابات الخاصة بالرئاسة , الى واقع ملموس وجديد وبمنهجيات متنوعة ومنسقة ليحل محل الواقع القديم . وهذه المنهجيات يجب ان تتوافقمجتمعة مع المباديء والأهداف النبيلة وآراء وتطلعات الشعب,
اما ان تكون الإنتخابات بالشكل الإنفرادي الذي شوهدت به متمثلآ بالمرشح الجمهوري ترامب القائم على مناصرة قوى الاحتلال على حساب الحق الفلسطيني , بالمزيد من الإبادة والعنصرية والتطهير العرقي الذي يقوم به الإحتلال , فذلك يعني ان الإنتخابات وسيلة لإنتاج واقعآ اكثر تعقيدآ من سابقه من ناحية انفلات سلطة القانون الدولي والمباديء والقيم الإنسانية التي تأسست عليها المنظمة العامة للأمم المتحدة وقوانين الشرعية الدولية ,
فلا يجوز ان تكون الإنتخابات مسرحآ لمرشح بهوى بربري وظالم , يعلن نفسه سيدآ وينتقد معارضيه بالسلاح والقمع والخنق بالعقوبات الإقتصادية , ولا المظلوم ان يكون عبدآ فيتم اغتياله وإبادته وفقآ لنبوءات مزيفة , بل ان الإنتخابات هي الطريق الذي يسمح ان يسلكه المرشح بالفهم والتحليل المبدأي والأخلاقي للنصوص والقوانين الدولية والإنسانية بعيدآ عن التأويل كما يحلو له في المشاكل الدولية الشائعة , او الإنحياز الجنسي او العرقي لأي طرف سواء بالحيلة او بالكره او بالضلال او الطمع .