27 ديسمبر، 2024 9:48 م

ترامب:هوان الخروج من قيد السلطة!

ترامب:هوان الخروج من قيد السلطة!

ان نتائج الانتخابات الرئاسية في كل انحاء العالم تقول للمرشح الخاسر فيها ان المنصب لم يعد بعد الآن لك ولا لسانك يعد بعد الآن لسان الرئيس الناطق باسم الشعب , فأرحل الى آخر عمرك كالمتقاعد الذي يبلغ السن القانوني .
ولكن الذي يحدث في امريكا في حقبة ترامب , ان الرئيس المنتهية ولايته لا يفضل الموت وهو اهون عليه من هوان الجري وراء كرسي البقاء على قيد السلطة , بل وبدا امام العالم وهو في توحده الأخير يجري وراء امل قد يلوح من مكب نفايات البطاقات الإنتخابية المطموسة فيه والتي يمكن لو جمعها انصاره , الذين انهكتهم ابواق السيارات وقرع الطبول وحمل الرايات وكأنهم يبحثون عن مفتاح غرفة الأنتظار التي القى به المرشح الفائز جو بايدن عسى ان يرى بفارق الأصوات افق الرئاسة ويعود الى ماضي الرئاسة .
ولكن مايلفت الانتباه ان ترامب في مساء السادس من يناير 2021 , اراد الخروج من تلك الغرفة بشكل تعسفي وبمنطق مجرد من النظر الى ماتفعل يداه امام الفقهاء السابقين والتقليديين الذين قادوا امريكا وامام قادة العالم بديمقراطية الولايات المتحدة وهم يرون انصاره يندفعون بلا تردد وبلا اعتبار لتحذيرات حراس مبنى الكونغرس بشكل يجاور ماتفعله حدّية احزاب الانظمة الدكتاتورية في الانتخابات الديمقراطية وهم يتسللون الى الصرح البرلماني الذي يمثلها . وقد عبر هؤلاء الفقهاء بصياغات لاذعة ومتنوعة احتجاجا على انصاره الذين كانوا بلا زمام يقتحمون المبنى ومصممين على تغيير النتائج برؤوس خضعت لتحريض خطاب ترامب الذي كان عضدا له .
هذه الصياغات تتيح للمراقبين من التعرف على الذروة التي وصل اليها التطرف بهذا الاندفاع بقيادة ترمب الذي من المفترض ان يضيق الفجوة بينه وبين الحزب الديمقراطي والحفاظ على ايمانه الديمقراطي بدلا من ان يحطم ذلك الايمان مع انصاره فوق صورته السياسية التي انطوت على النقائض والتعارضات وسارت في كهف التعصب والإنحياز من دون اي عمل يدل على فضل يذكّر بفترته الرئاسية .
بهذه الليلة التي اهين بها رمز المؤسسات الديمقراطية الأمريكية , انتهى حكم الرئيس المستبد ترامب الى الهوان والخروج من قيد السلطة بعد ان خلّف آثارآ لاتمحوها السنين , ولولا تصريحات الرؤساء السابقين وجميع الاطراف في الحزبين الجمهوري والديمقراطي وهول المواجهات مع الاجهزة الامنية وسقوط اربعة قتلى والعديد من الجرحى , لما عدّل ترامب من لهجة خطابه العدائية للقائمين بعملية الانتخابات , ولو أصرّ على تلك اللهجة لظهر المخبوء المر في صدور اعضاء الكونغرس وذهبوا الى عزله بموجب التعديل رقم 25 في الدستور ولو بعد حين ليمارس نائبه بنس عملية تصريف الاعمال للفترة المتبقية .
من الواضح ان مايفعله ترامب يثير الإشمئزاز والخجل , إذ اخرج من فمه كل مفردات الكره والحقد ضد القائمين على الأنتخابات وخاصة ضد الحزب الديمقراطي متهما إياه بعدم الشجاعة لأنه يرى في افعاله الإجرامية ضد الشعوب شجاعة , ومن الطبيعي ان يحكم الشعب الامريكي على هذا الطراز من الرئاسة الذي لا ينتمي الى اعراف وتقاليد السياسة الامريكية المألوفة بالطراز الشاذ , وما يجسّد ذلك تخريبه لكافة العهود والمواثيق التي ابرمتها الإدارات السابقة مع الدول وغسل يده منها , وتتوازى اعماله التخريبية تلك مع اعماله التخريبية في العالم العربي الذي عبّر فيها عن إظهار لا مبالاته وتمرده وانقلابه , فلم ير منه سوى الإنحياز الى الجانب الصهيوني وترجيح كفته على حساب الحقوق المغتصبة وانتهاكه لقرارات الشرعية الدولية .
والأهم من ذلك انتهاكاته المتكررة للسيادة العراقية وتسببه في استشهاد قادة ومقاتلين الجيش العراقي والحشد الشعبي وخلق التوترات بالمنطقة العربية . من هذا المنظور نرى ان هذا الإنقلابي المتمرد الذي اخذ على عاتقه طيلة فترة رئاسته مناصبة العداء للعرب والإسلام والوقوف ضد قضاياهم المشروعة , لا يمكن ان يعود الى الرئاسة لانه يفتقر الى عنصر العقلنه بالسياسة ويعمد على إظهار غريزة الأنا المنفعلة والنرجسية ومثال ذلك تبجحه في اغتيال قادة الحشد الشعبي بالعراق وهي اعلى ممارسة للإرهاب بقناع السياسة يمارسها رئيس دولة تدعي الديمقراطية .
هكذا اظهر ترامب جينات الجنون التي تشكّل الدكتاتورية ورجالها منذ ان تسلّم السلطة في امريكا وحتى لحظة اقتحام الكونغرس , وكان بملامح دكتاتور يغتال كل عهد اتفاق وتوافق بين امريكا والشعوب إذا لم تكن له يدا فيه وكانت كل اوامره تنحرف عن السلم والديمقر اطية وتضيف الى سمعة امريكا قتامة اخرى تقترن بالسخربة والإستهزاء بهذا الرئيس البعيد عن الاعمال الفاضله والقريب بالخصال من سمسار حقير وتاجر خسيس كمثل شايلوك اليهودي الذي لايرى سوى الإهتمام بأموره الشخصية ومصلحته المادية بعيدا عن العاطفة والسماحة التي يتصف بها الإنسان , ورحم الشاعر ابن نباته السعدي حيث قال :
حافظ على الذكرِ الجميل فما يبقى على الأيام كالذّكرِ

6 كانون الثاني 21