معلوم ان يدا واحدة لاتصفق كما يقول مثلنا، ومعلوم ان التعاون في العمل الصالح يجدي نفعا أكثر من العمل الانفرادي، لاسيما إذا كان عملا جللا له تبعات ومردودات إيجابية في حال إنجازه، وقد قال أهلونا سابقا: “گوم التعاونت ماذلت”. ولكن اليوم في وضع العراق الراهن، هناك العديد من الأيادي المنفردة تسعى -موهومة- للتصفيق وحدها، بل هي موهومة أكثر من هذا بتصديقها أن هناك من يسمع تصفيقها، وما يزيد الطين بلة، ويضاعف البلة وحلا، ويفاقم الوحل مزالقَ، أن اليد الواحدة تبلورت إلى جهات وأحزاب وكتل، تشكلت لنيات غير سليمة البتة. إذ المعهود أن التعاون يكون على البر والتقوى، ولايمكن أن يكون على الإثم والعدوان، فيما نرى المتعاونين تآلفا وتحالفا اليوم في ساحة البلد السياسية، ماهم إلا أعداء وأنداد وأضداد، يتكاتفون لا لمصلحة البلاد والعباد، بل ليكونوا قوة لها الغلبة على باقي القوى، والأخيرة بدورها لاتهدف إلا لمآرب ومنافع ليس للمواطن من تمرها إلا الحشف، ولاينوبه من سلال الخيرات غير الحصرم. ولعل المواطن يدري أن مصيره على يد ساسته لن يتبدل إلا لحال أسوأ، ولعله أيضا سيرفع بعد قنوطه منهم شعار: (جزنا من العنب ونريد سلتنا).
بعد انتهاء عملية فرز الأصوات، الإلكترونية منها واليدوية، النزيهة منها والمشكوك فيها، الشيطانية منها والرحمانية، من المفترض أن تجتمع الأيادي وتتآلف وتتآزر، لتصفق تصفيقا موحدا عاليا لاسيما والعراق برمته بحاجة ماسة اليه في هذا الظرف، إلا ان من الواضح جدا أن مثلنا (ابو طبع مايبدل طبعه) مازال ساري المفعول، على الرغم من أن جميع من اعتلوا سدة الحكم بأصوات أو بنقاط أو بـ (قدرة قادر) ليسوا غريبين عن الساحة السياسية، وليسوا بعيدين عن سلبيات الماضي البعيد والقريب، وهم على دراية تامة بأخطاء من سبقوهم في المناصب التي وصلوها، كما أنهم يدركون تماما كيف يتداركون السلبيات ويصححون الأخطاء، بمعرفتهم حلولها وفك تعقيداتها، فهل ياترى هم فاعلون هذا؟ أم أن أبيات معروف الرصافي مازالت فعالة، حيث يقول:
علـم ودسـتور ومجلس أمة
كل عن المعـنى الصحيح محرف
من يأتِ مجلسنـا يصدّق أنه
لـمراد غيـر الناخبيـن مؤلّـف
وهذه الصورة التي لم تعد جديدة على العراقيين ليست إفكًا او بهتانا، فقد أثبت مجلس النواب المنتهية ولايته أن آخر ما يفكر به أعضاؤه -علاوة على رئيسه- هو الشعب، وآخر مايسعون الى تحقيقه هو مصلحته، وآخر قانون يقرونه هو مايرونه يصب في خدمة المواطن، وإنه لمن المؤلم أن الرأي العام يكاد يجزم أن القادمين سيحذون خلف السابقين حذو “النعل بالنعل”.
وكما أن تاريخ مجلسنا السابق خير شاهد على تذبذب القوانين والقرارات بين التأجيلات والإهمالات، ذلك أن النائب -ورئيسه- لاينظر في القوانين إلا القريبة من مصلحة حزبه وفئته وعشيرته وطائفته. وكم من نائب لم يكن العراقيون قد سمعوا باسمه إلا حين يمس قانون ما مصالح كتلته وحزبه، وكأن الرصافي قال بيته بحقهم حين أنشد:
أسماءُ ليس لنا سوى ألفاظها
أما معانيها فليست تُعرف
بل ان كثيرا من القوانين والقرارات كانت تعادي مصلحة البلد والمواطن، الذي لم يكن يرى فيها إلا مصلحة دول أخرى وأجندات خارجية لها الريع الأكبر من عائديات تلك القوانين، وهو عين ماذكره الرصافي قبل ثمانين عاما في بيته:
من يقرأ الدستـور يعلم أنه
وفقـا لصك الاحتلال مصنف
فيا أعضاء مجلسنا الجدد.. نسألكم بالقسم الذي سترددونه، غيروا الصورة المشوهة التي تركها أسلافكم كوصمة غير مشرفة، تلصق بكل من امتطى صهوة المسؤولية في البرلمان، وكونوا عونا لمواطنيكم الذين رفعوكم الى مناصبكم هذه، وفي الوقت عينه، أشداء جلدين مع سراق مالهم وثروات بلدهم فأنتم ممثلوهم، وتذكروا ماقاله الرصافي:
إن لم نجالد بالسيوف خصومنا
فالمجــد باكٍ والعلا تتأفف