18 ديسمبر، 2024 11:20 م

تسبّب الإرهاب في العالم العربيّ في تدمير مشروع التنمية والاقتصاد، وإرجاع الدول العربية إلى مرحلة العجز الكامل. وقد بلغت تكلفة الحروب والإرهاب في العام 2015 مبلغاً فلكياً يقارب 13 فاصل 6 ترليون دولار، وفق تقديرات المؤشّر العالميّ السنويّ للسلام. وأكبر الأضرار كانت في الدول السّاخنة أمنياً، في سوريا، والعراق، وتونس، وليبيا، والصومال، وأفغانستان واليمن ونيجيريا، وغيرها من الدول العربية والإسلامية.

لقد كان المشروع الإرهابيّ يتغطّى بلحاف الخلافة والدولة الإسلامية ومشروع الحاكمية لله، وفعلياً دمّر معظم البنى التحتية التي تمكّن منها، دمّر الجامعات والثانويات والمتوسّطات والمدارس والمساجد والكنائس والمصانع والمزارع وإمدادات النفط والغاز وقنوات السقي الزراعيّ ومؤسسات الدولة والبلديات والمحافظات والمسارح والمعاهد والآثار والذاكرة التاريخية لهذا الوطن وذاك. كان الإرهاب كالغوريلّلا العملاقة التي فتكت بالبنيان والإنسان، كان مكلَّفاً بإعادة العالم العربي إلى ما قبل التاريخ الحجريّ أو إلى عصر الديناصورات.

وفي بيانٍ موسّعٍ لجمعية الأمم المتحدة، فإنّ الاحتجاجات التي شهدتها عدّة دول في منطقة الشرق الأوسط خلال ما يُعرَف بالربيع العربي، كبّدت المنطقة العربية خسائر بلغت 614 مليار دولار منذ العام 2011. ويذهب تقريرٌ صدر قبل سنتين عن المنتدى الاستراتيجي العربي إلى أنّ تكلفة الربيع العربيّ العنيف والدمويّ بلغت نحو 833 مليار دولار.

وقبل الحديث عن هلاك البلدان وهلاك البنيان، لا بدّ من أن نشير إلى المأساة الإنسانيّة التي طاولت المواطنين العرب الذين غادروا مساكنهم إلى جغرافيا خارج بلادهم، أو أماكن تبعد عن بيوتهم ومزارعهم بمسافاتٍ شاسعة، وهنا لا بدّ من أن نشير إلى حال الانهيار السيكولوجي والشخصاني، وتنامي الشعور بالتهميش والكراهية، وتنامي الإحساس بضرورة الانتقام، وبين ضحايا الإرهاب وأبناء الإرهابيّين، قصص انتقام وحقد وكراهية.

والدول العربية ليست مدعوّة إلى إعادة بناء البنى التحتية فحسب، بل هي مطالبة بإعادة بناء الإنسان والاستثمار في الإنسان عبر إنتاج مشروعٍ تنويريٍ حقيقي يشكّل عصمةً للأجيال المقبلة، حتى لا تُستنسَخ تجربة القراءات الملعونة للدين الإسلامي الحضاري والذي خُطِف من قِبَل مصّاصي الدماء والرقاب. ويجب أن تُقرَن معركة البناء المادي بمعركة البناء الفكري والثقافيّ. والمعركة الراهنة في العالم العربي هي بين مشروع التنوير ومشروع التكفير، وهي من أخطر المعارك التي عرفها المشهد العربي والإسلامي، والتي ستحدّد لمئات السنين مسار الصيرورة في عالم عربي انفجرت ملفاته وتكالب عليه الأعداء من كلّ جانبٍ.

مَن سيُعيد بناء ما دمّره الإرهاب في العالم العربيّ

ينبغي أن تتجه مؤسساتنا التعليمية، الإعلامية، الثقافية، وغيرها، أن تتّجه إلى بناء المواطن، وعندما نقول المواطن، ينبغي أن تتحقّق فيه شروط القبول والمساواة في الحقوق بين الجنسين، مسألة المواطنة، مسألة قبول الاختلاف، قبول الآخر المختلف فكرياً، قبول الآخر المختلف دينياً، مذهبياً، سلوكياً، ينبغي أيضاً الاعتراف بحقوق الإنسان كلها كما وردت في المواثيق العالمية، قبول التعايش، قبول العيش المشترك، وأيضاً ينبغي للخطاب الديني أن يتخلّى نهائياً عن فكرة امتلاك الحقيقة المُطلقة أو احتكار الحقيقة، وهذا العمل هو مسؤولية المُثقّفين وأيضاً مسؤولية الدولة والنظام والخطاب الرسمي، وأيضاً مسؤولية كما قلت مؤسّسات التنشئة، المؤسّسات الإعلامية، وأيضاً هو مسؤولية الحركات، حركات الإسلام السياسي، وما يُسمّى الحركات الإسلاموية وأيضاً المرجعيات الدينية بشكل عام.

هذه المرجعيات كلها ينبغي أن تتّجه نحو مراجعة خطابها لتجذير أو لتحقيق هذه النقاط التي ذكرتها وعلى رأسها النقد، العقل النقدي، لا بدّ من إدخال العقل النقدي إلى المدرسة، إلى جميع الخطابات الدينية، إلى النصوص الدينية نفسها، لنقتلع جذور العنف من داخل هذه النصوص، ونكون فعلاً رسمنا وخططنا لطمر تجربة الإرهاب بالكونكريت المسلح ومنعنا قطعا ان ينضح من مسامات الشقوق ويستنشق الاوكسجين ثانية.

يجب أن نستفيد منه. ونضع حدا وسواتر وموانع وخنادق من الذين أرادوا الشر للعراق وسوريا ومصر والبلدان العربية والاسلامية المنتشر فيها الارهاب انهم باالتاكيد لن يتركوها تخرج مستريحة من القضاء على الإرهابيين فقط، سيدخلون من شتّى المجالات، من النافذة، من الباب، ومن كل مكان يستطيعون الدخول والولوج منه. أيضاً عبرالحروب والفوضى العارمة ودعوات الانفصال ومشروع بايدن وسوف يجدون مكاناً للطفيليات، من أجل أن تعيش هذه الطفيليات. لذلك قبل قتل الذباب يجب تجفيف المستنقعات