يعمد البعض الى تسطيح الأحداث في العراق عبر رسم صورة تبسيطية تُفرغ هذه الأحداث من مضامينها وأبعادها الحقيقية وغاياتها وأهدافها التخريبية إما لتحقيق اغراض واهداف مرسومة كما هو حال الموقف الغربي الخليجي وحال بعض المواقف الداخلية من أصحاب دعاوى الفدرلة والتقسيم المنسجمين مع التوجهات الخارجية والمنفذين لأجنداتها وإما لأن بعض اصحاب هذه المواقف يعاني من عمى في الرؤية والبصيرة السياسية كتعبير طبيعي عن حالة المراهقة السياسية التي يعيشها ولإفتقاده لألف باء الثقافة والوعي السياسي ما ادخله في نفق ضيق الأفق السياسي او لأنه يسعى الى توظيف الاحداث والمستجدات لتحقيق اجندات تتعلق بالحصول على امتيازات ومكاسب سياسية في محاولة لممارسة لعبة رفع سقف المطالب – الكردية التي ترجع لأصول يهودية – الى حدها الاعلى والاصرار عليها الى نهاية المطاف والخروج رابحا في كل الاحوال والتي يحاول بعض الاخوة الاعداء في التحالف الوطني لعبها في ساحة ائتلاف دولة القانون بعد أن اجاد لعبها الاكراد في ساحة الحكومة الاتحادية والهدف هو الحصول على اكبر قدر من الامتيازات وكسب مناصب مهمة على حساب ائتلاف دولة القانون مقابل الموافقة على الولاية الثالثة للمالكي وخطوة الجلبي في جلسة انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه تأتي في هذا السياق فضلاً عن الايحاء بأننا قادرون على ارباك مسار تسمية الرئاسات فلا تستهينوا بنا ولبوا طلباتنا وبخلاف ذلك سيتحول التحالف الى تخالف.
كل هذه المواقف اشتركت في رفضها التجديد لرئيس مجلس الوزراء الحالي واتفقت على السعي بقوة لإقصائه.
صحيح أن المالكي لم ينجح في ادارة ملف الامن وتجفيف منابع الارهاب ولم ينجح في ملف الخدمات وارتكب بمعية الفرقاء في العملية السياسية مجموعة من الاخطاء تبدو المرحلة مناسبة جدا للاعتراف بها والعمل على معالجتها بعد الانتهاء من تشكيل الكابينة الحكومية ورسم خارطة طريق وطنية على ضوء نتائج الانتخابات تقطع الطريق على الخارطة المرسومة خارجيا.
لكن هل يستحق أمر اقصاء المالكي عناء شن هذه الحملات المحلية والاقليمية والدولية الكبرى ومضاعفة هذه القوى لحركة طواقمها السياسية والمخابراتية والاعلامية والطابور الخامس من كتّاب ومحللين ومزورين ومهولين وغيرهم.
بغض النظر عما سيشكله اقصاء المالكي على حساب المعطيات الانتخابية من ضربة للأسس التي قامت عليها العملية السياسية ولنتائج الانتخابات ما يعد انقلاباً على الدستور لصالح الأهواء والامزجة الحزبية ورضوخاً للإملاءات الخارجية بما يسمح مستقبلا باعادة الكرّة فالمالكي مرفوض حتى وان كان هو مرشح الكتلة البرلمانية الاكبر كما نص الدستور وبيّنت المحكمة الاتحادية.
بغض النظر عن كل ذلك لن تُحل ازمات العراق الحالية برحيل المالكي فالجماعات التكفيرية ستعده انتصاراً لمشروعها وبركة من بركات تحقق دولة الخلافة المزعومة ما يشجعها الى محاولة توسيعها وتوظيف ذلك اعلامياً لجذب المزيد من جنس الدواعش واقامة الدولة الداعشية الكبرى.
كما أن الجماعات المسلحة اللابسة لثوب البعثية الصدامية او العباءة السنية الطائفية والدائرين في فلكها ستعتبرها فوزاً لها واستسلاماً للطرف المقابل وتراجعاً ما سيدفعها الى رفع سقف مطالبها ويرفع معنوياتها لتواصل عملها المسلح لتحقيق اهدافها وتسويق فكرة التصديق بأسطورة دعاوى التهميش والاقصاء وأكذوبة ساحات “العزة والكرامة” !!
كما انه سيفتح الباب واسعاً لمواصلة الخطوات الانتهازية واللصوصية البرزانية التي ستسوقه على انه انتصار لأرادتها وتأكيد على حقانية وصوابية رأيها وتوجهاتها ما يبرر سلوكياتها الشاذة ويعزز فرض ارادتها في ظل ازمة ساهمت كثيراً في صنعها والدفاع عنها.
وستجد القوى الاقليمية والدولية المناوئة في ذلك فرصة لممارسة المزيد من الضغوط وتعده رضوخا لها وقبولاً بمشاريعها لتتسلل من هذه الثغرة وتفرض خارطة سياسية جديدة تتيح لها توزيع نفوذها من جديد واعادة التموضع الاستخباراتي والعسكري في العراق.
اذن المخطط رهيب وباختصار هو اعادة العراق الى احضان البعثيين ليقودوا قطار العراق الى الهاوية من جديد عراقٍ متخندق في الجبهة الصهيو- اميركية وخاضع لإملاءات الرجعية العربية ومعاد لمحور الممانعة والاستقلال والرفض لمشاريع الهيمنة الخارجية محور ايران/ سوريا/ حزب الله.
مخاطر مواجهة تداعيات بقاء المالكي أهون بكثير من مخاطر تداعيات ذهاب المالكي بشرط مراجعة اخطاء الماضي ومعالجتها وتوظيف الفرص الواسعة التي برزت بعد تهديدات 10/6/2014 في الميدانين السياسي والعسكري وبخلافه فنحن بحاجة الى شخصية بديلة قوية تضع بمعية الشركاء خارطة طريق واضحة بارادة سياسية ناضجة وعسكرية صلبة قادرة على فرضها.
موضوعة اختيار رئيس مجلس الوزراء لابد ان تخضع لمعايير وشروط المصلحة الوطنية وخيارات الشعب العراقي المتمسك بوحدته والرافض للتدخلات الخارجية والمسألة اليوم اضحت خيار ذبح وطن وليست مسالة بقاء أو اقصاء شخص معين.