13 فبراير، 2025 1:15 م

تداعيات حرب غزّة على “إسرائيل”

تداعيات حرب غزّة على “إسرائيل”

خلال أسبوع واحد فقط بعد الشروع بتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار بين حركة المقاومة الفلسطينية(حماس) والكيان الصهيوني، تعرضت المؤسستان، السياسية والعسكرية، في تل ابيب لهزات عنيفة وغير مسبوقة، ارتباطا بالفترة الزمنية القصيرة لحدوثها، والمستويات العليا التي حدثت فيها.

   اول هذه الهزات، تمثلت بإستقالة وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير”، ومعه وزير النقب والجليل والصمود الوطني “يتسحاق فاسرلوف”، ووزير التراث “عميحاي إلياهو”، وجميعهم من حزب عوتسما يهوديت(القوة اليهودية)، من الحكومة الائتلافية برئاسة “بنيامين نتنياهو”.

  وفي ذات الوقت، اقدم ثلاثة نواب في الكنيست الإسرائيلي من هذا الحزب على تقديم استقالاتهم، وهم بإنتظار البت فيها من قبل رئاسة الكنيست واللجان المعنية.

   وفي بيان له شديد اللهجة، وصف الحزب المذكور، الاتفاق الذي تم التفاوض عليه مع حركة حماس بأنه “استسلام”، وهو خطوة متهورة، لأنه بحسب نص البيان، “سيشهد إطلاق سراح مئات القتلة الذين تلوثت أيديهم بدماء الرجال والنساء والأطفال، مع التخلي عن إنجازات الجيش الإسرائيلي في الحرب، وسحب قوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة ووقف القتال فيها”.

   ثاني هذه الهزات العنيفة، تمثلت بإستقالة رئيس هيئة اركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال “هرتسي هاليفي”، بعد ان استقال نائبه، اللواء “امير برعام”، والتي ترافقت معها أيضا، استقالة قائد المنطقة الجنوبية، اللواء “يارون فينكلمان”.

     ليس هذا فحسب، بل ان المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، تعيش أوضاعا مضطربة للغاية، في خضم الاستقالات والاقالات، وتبادل الاتهامات بين كبار القادة، ناهيك عن ان هزات ما بعد معركة “طوفان الأقصى” وصلت الى تخوم جهاز الامن الداخلي الإسرائيلي(الشاباك)، وباتت تهدد رئيسه “رونين بار”.

   ولاشك ان هناك الكثير من الهزات الارتدادية التي قد لاتظهر تأثيراتها واصدائها في تل ابيب الا بعد مرور بعض الوقت، وهي تعكس في جانب كبير منها، حجم المأزق الإسرائيلي، وما خلفته مواجهة الخمسة عشر شهرا مع حماس.

   ربما تكون هزات المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل، سببا لما انتهت اليه معركة “طوفان الأقصى”، وربما تكون احدى نتائجها، وفي كل الأحوال، لابد انها ستفرض واقعا جديدا يختلف الى حد كبير عن واقع ما قبل السابع من تشرين الأول-أكتوبر 2023.    

   صحيح ان الكيان الصهيوني نجح في قتل وتهجير عشرات الالاف من الفلسطينيين في قطاع غزة، ونجح كذلك في الحاق دمار هائل بالبنى التحتية والمنشات الحيوية والمرافق الخدمية ومساكن المدنيين، بيد انه اخفق في تحقيق الأهداف التي وضعها وحددها منذ الأيام الأولى للمعركة، والتي تمثلت بإلقضاء على حركة حماس، وإخضاع القطاع لسلطته، او بإدنى التقادير، للسلطة الفلسطينية المتمثلة أساسا بحركة فتح، وتحرير الرهائن الإسرائيليين العسكريين والمدنيين الذين وقعوا في قبضة مقاتلي حماس.

   هذا الإخفاق في تحقيق أي من تلك الأهداف طيلة خمسة عشر شهرا، والركون الى خيار ابرام اتفاق وقف اطلاق النار، بشروط بدت مذلّة ومهينة، يعني الشيء الكثير.

   فرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، الذي سعى الى الهروب من الملاحقات القضائية له بالاندفاع نحو خيار مواصلة الحرب العسكرية، يجد نفسه الان في مواجهات غير محسوبة النتائج والعواقب مع رموز اليمين الإسرائيلي المتشدد، بعدما كان محاصرا من عوائل الرهائن والجهات الداعمة والمساندة لهم من اجل ابرام صفقة لتخليصهم واعادتهم. ولاشك ان أي طريق يقرر نتنياهو ان يسلكه سيكون وعرا ومليئا بالمطبات والمنزلقات الخطيرة.

  الى جانب ذلك، فإن الصراعات المحتدمة بين جنرالات الجيش الإسرائيلي وقياداته الميدانية الكبيرة، ومحاولات كل واحد منهم التنصل بأي شكل من الاشكال عن مسؤوليته عمّا باتت العديد من الأوساط والمحافل السياسية والإعلامية الإسرائيلية تطلق عليه بـ”كارثة 7 اكتوبر”، بلغت مستويات خطيرة للغاية.

   وطبيعي ان تفاقم الخلافات والصراعات داخل المؤسستين السياسية والعسكرية، لابد ان يلقي بظلاله الثقيلة على الواقع الاقتصادي، الذي شهد هو الاخر هزات وتصدعات غير قليلة جراء الحرب مع حماس، وهنا فإن الأرقام التي تتداولها وسائل اعلام ومؤسسات اقتصادية مختلفة عن خسائر الكيان بسبب الشلل الذي أصاب قطاعات حيوية مهمة، يوضح جانب اخر من حجم الكارثة، التي راحت تتحول الى كابوس دائم ومزمن، مع بقاء حزب الله وحماس والحوثيون في المشهد العام، حتى وإن ضعفوا او تراجعوا بمقدار معين، مثلما ترى تل ابيب وواشنطن واطراف إقليمية ودولية أخرى.

   قد يعول نتنياهو وعموم اليمين الإسرائيلي المتشدد على الرئيس الأميركي القديم-الجديد دونالد ترامب، في تطويق وتحجيم الكارثة، لكن المؤشرات الأولية تذهب الى ان سياسات ترامب سوف تخلط الأوراق وتعمق الارتباك لتل ابيب. فمحاولات تهجير الفلسطينيين الى مصر والأردن، تمثل خيارا بائسا وفاشلا، وضخ المزيد من الأسلحة للكيان، لن يكون كافيا للقضاء على حماس وحركات المقاومة الفلسطينية الأخرى، ومشاريع التطبيع التي لم تنجح كما كان مؤملا لها في السابق، لن تنجح في ظل ظروف واوضاع أسوأ واعقد واصعب، وفوق ذلك، ربما تكتشف تل ابيب لاحقا ان اسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، لم يكن بالخيار الصائب والصحيح بالنسبة لها، لاسيما في حال تحولت الأخيرة الى ساحة للصراع والتنافس بين فرقاء داخليين واقليميين ودوليين، يغيب فيها من يستطيع امساك الخيوط والتحكم بها، وعندذاك قد تصل نيران ذلك التنافس والصراع الى اذيال الكيان المكتوي مسبقا بنيران حماس وحزب الله والحوثيين!.