اكمل رسول الله ( ص ) حجة الوداع ، وعاد وهو حزين على مصير الامة من بعده ، وبينما هو يسير متأملاً ، جاءه النداء الالهي مخاطباً ، بِسْم الله الرحمن الرحيم ” اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً ” صدق الله العلي العظيم ، فأبتهج الرسول (ص) بهذا النداء ، وجمع المسلمين عند غدير خم وابلغ امر ربه ، وبلغ رسالته.أوقف المسلمين ونادى فيهم قائلاً ، يا ايها الناس ألست اولى بالمؤمنين من انفسهم ، فقالوا بلى يا رسول الله ، فكررها عليهم ثلاثاً ، ثم قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وهو رافع يد الامير حتى بان بياض ابطيهما.
اذ لاهمية هذا البلاغ ، تغير حتى الخطاب الالهي مع الرسول الكريم ، حين خاطبه تعالى شأنه ” يا ايها النبي بلغ ما انزل إليك من ربك فأن لم تبلغ فما بلغت رسالته ” ، حتى قرن الله تعالى ابلاغ الرسالة بهذا الامر ، الذي كان مساوياً او يزيد على جهد الرسالة التي دامت ل_( ٢٥ ) عاماً ، لاهميته وضروريته في تحديد مسار الرسالة بعد رسول الله (ص) ، فنوع الخطاب ولهجته تبين خطورة البلاغ ، اذ لم يوجه الله تعالى الى رسوله (ص) مثل هذا الخطاب طيلة الرسالة .
حتى عاد الحجيج الى المدينة ، اختلفت الاّراء ولا زالت مختلفة ، فكبرت في نفوس القوم ان تجتمع النبوة والإمامة في بيت واحد ، وارجع بعض المتفيهقين نقطة الاختلاف الى تعدد معاني كلمة ( المولى ) ، فمنهم من قال انها تعني ابن العم ، ورسول الله جمع المسلمين ليبلغهم ان علي (ع) هو ابن عمه ! ، وكأنهم لا يعلمون بهذه الحقيقة الصادمة ! ، وقد جمعهم رسول الله في هذا المكان البعيد ، والجو شديد الحرارة ، ليعلمهم ان الامير هو ابن عمه (ص) ، اما الرأي الثاني فذهب الى انها تعني الخادم ، وان رسول الله أراد ان يبلغهم ان الامير هو خادمكم من بعدي ! ، ليت شعري أين يذهب التعصب بالعقول ، والرأي الثالث ان المولى تعني السيد ، وهو ما ينطبق مع ما ذهب اليه رسول الله (ص) ، وهو مؤيد بقرائن عديدة ، كحديث الدار ، وحديث الكساء ، واية التطهير ، وغيرها الكثير الكثير من الأحاديث التي لا يسع المجال لذكرها .
من لا يشكر نعمة الله ، فهو لا يستحقها ، وعندما يفقدها فهو امام أمرين لا ثالث لهم ، اما ان يشعر بفقد هذه النعمة ويحزن عليها امد الدهر حتى يأذن الله ، واما ان يحاول ان ينكر هذه النعمة ، ويضلل عليها ، ليخفي حقيقة موقفه ، ورده لامر الله ، ويفضل اختيار البشر على خيار الله تعالى ، ويفنون أعمارهم في محاولة إطفاء نور الله بأفواههم ، ولكن نور الله ساطع رغم الغيوم .