يبدو أن قومي المُهَجَرين، والمشردين، واللاجئين في أرض الله الواسعة؛ قد ألِفوا حياة اللجوء؛ ورَكنوا إلى الحياة الدنيا؛ واطمأنوا إليها؛ واعتادوا عليها؛ والتصقوا بأرض المهجر؛ وتشبثوا بترابها؛ وتناسوا أحبابهم، وأقرباءهم، وأصحابهم، وخُلانهم؛ الذين قضوا شهداء تحت القصف؛ أو تحت التعذيب في بلاد الشام.
ويبدو أنهم قد ظنوا؛ أنهم في أمانٍ؛ وسلامٍ؛ وأنهم لن يُخرجوا منها؛ ولن يُطردوا منها مرة أخرى! وحسبوا؛ أنهم سيبقون مخلدين فيها؛ ولن يشردوا منها مرة أخرى.
كما يبدو أنهم؛ قد نسوا ما حصل لإخوانهم منذ زمن ليس بالبعيد؛ حينما طُرد الآلاف منهم؛ وأخرجوا من ديارهم؛ ومن محلاتهم؛ التي عمروها أكثر مما عمروها؛ دون أي اعتبار؛ ولا تقدير؛ ولا احترام لوعودهم وعهودهم التي قطعوها على أنفسهم؛ بأنهم هم الأنصار!
بل حتى دون أي اعتبار، ولا تقدير لقيم الأنصار الإنسانية، المعمول بها في بقاع شتى من الأرض. إذ أن هذه القيم ليست خاصة بالمسلمين وحدهم؛ بل هي موجودة في كل نظام يتخذ العقيدة – أيا كانت – أساس حكمه.
ففي دويلة ما تسمى (إسرائيل) مثلاً: تستقبل باستمرار آلاف اليهود المهاجرين، وتحتضنهم، وترعاهم، وتعطيهم كل حقوق اليهود الأنصار، بالتمام والكمال.
وكذلك إيران! تستقبل آلاف الرافضة والشيعة من مختلف بقاع الأرض، وتعتني بهم، وتقدم لهم كل الخدمات المعطاة للرافضة الأنصار.
وقد كان الاتحاد السوفياتي! يستقبل آلاف الشيوعيين من مختلف أرجاء المعمورة، ويعطيهم كل الحقوق الممنوحة للأنصار الشيوعيين.
ولم نسمع يوماً من الأيام! أن الأنصار اليهود، أو الرافضة، أو الشيوعيين، قد طَرَدوا مهاجراً واحداً من أرضهم، وألقوه في مهب الريح؛ تتناوشه ذئاب، وضباع، ووحوش الأرض بدون رحمة ولا شفقة.
كما لم نسمع! أن طَرد الأنصارُ المسلمون مهاجراً واحداً طوال تواجد المهاجرين في المدينة المنورة لعشرات، ومئات السنين، أو قتلوا مهاجراً واحداً على حدود المدينة، وهو يريد أن يدخلها ليلاً أو نهاراً، أو منعوا مهاجراً واحداً، من الدخول إلى المدينة، في أي وقت بأمان وسلام؟!
ولتعلموا – يا قومنا المشردين – أن أنظمة العالم في الأرض ليست كلها سواءً. فهي تنقسم إلى نوعين اثنين لا ثالث لهما.
النوع الأول: يتبنى العقيدة – أيا كان نوعها – في سياسة حكمه. فهو يقاتل الدنيا لأجل أبناء عقيدته، ويفتح لهم الأبواب على مصراعيها لاستقبالهم، بدون أي شروط، وتوطينهم، وإعطائهم كل الحقوق كاملة دون تفرقة بين أنصاري ومهاجر.
والنوع الثاني: يتبنى العلمانية أساساً في حكمه، دون أي اعتبار للقيم، والأخلاق، والعقائد، والدين – لأن مصطلح العلمانية هو: فصل الدين عن الدولة، وحصر الدين في الطقوس التعبدية، في دور العبادة فقط – وتسيره المصالح المادية، والاقتصادية، والقومية. فهو يجري لاهثاً وراءها، أينما وجدها، قعد عندها، وضرب بعرض الحائط، كل العهود والمواثيق التي قطعها على نفسه، فالمصلحة المادية الترابية عنده، هي: الأولى، والثانية، والثالثة، ولا يعلو عليها أي شيء آخر.
ومن أجل ذلك فأنتم – يا قومنا المشردين – مهددون في كل لحظة، بالطرد، والتهجير من البلاد التي لجأتم إليها، وظننتم أنها ستحميكم، وتُؤويكم أبد الدهر.
نعم! ستُخرجون منها – عاجلاً أم آجلاً – أذلاء صاغرين، تهيمون على وجوهكم في صحارى الحياة، حيارى، مهمومين، محزونين! وقد لا تجدون خيمة تأويكم، أو تحميكم من لهيب الشمس الحارقة، ومن عواصف الشتاء الباردة القارصة.
وحتى على فرض! أن بعض الدول، رضيت أن تبقوا فيها، لما تجد من فائدة اقتصادية كبيرة لها، نتيجة استخدامكم، كعمال، وخدم، وعبيد من الدرجة الثالثة أو الرابعة، فإنها لا تفعل ذلك لسواد عيونكم، ولا لملاحة وجوهكم، وإنما لتستثمركم، وتجني من ورائكم الأموال الطائلة، ولتسلبكم ثمرة فؤادكم، وفلذة أكبادكم، وتأخذ منكم أطفالكم، حالما يولدون، أو بعدها بقليل، بحجج مكذوبة، ومفبركة، لكي تربيهم تربية صليبية حاقدة على الإسلام، ومن ثم يكون أولادُكم أعداءً لكم، خاصة وأن تلك الأنظمة، تعاني من قلة المواليد.
يا قومنا! يجب أن تعوا، وتفهموا، وتدركوا، أن أنظمة العالم! ليست جمعياتٍ خيريةٍ، ولا هيئات إغاثية، ولا مراكز خدمية، تقدم الخدمات لمن هب ودب، ولا منظماتٍ تحريرية، لمساعدة المغلوبين، والمقهورين، على تحريرهم من الطغيان، والاستعباد، والاستبداد، ولا لتحرير أرضهم – نيابة عنهم – من الطواغيت والمستبدين.
كما يجب أن تفهموا، أن هذه الأنظمة، ليس لها إلٌ، ولا ذمةٌ، ولا عهدٌ، تقول في الصباح كلاماً، وحينما يأتي المساء، يمحو ما قالته في الصباح. وفي خلال خمس دقائق تغير قوانينها، وتعليماتها، وتبدلها من الشرق إلى الغرب، ومن اليمين إلى اليسار.
والإنسان المسلم – وخاصة الملتزم – ليس له قيمةٌ عند الغرب أو عند الشرق. بل ليس له قيمة، حتى عند الدول المحكومة من قبل ذراري المسلمين، والذين بعضهم، يجعجعون، ويصرخون، ويدندنون بحبهم للإسلام، وتعاطفهم معه، بل بعضهم يذهب أبعد من هذا، فيتفاخر، ويتباهي بالإسلام! ولكن أي إسلام يتفاخرون به؟! الإسلام العلماني، المهجن، والمدجن، والمبرمج حسب تعليمات المخابرات العالمية.
والدليل على ذلك: أنه عند الاختبار! يظهرون على حقيقتهم، ويكشفون خبيئة نفوسهم، وذلك حينما يؤثرون المصالح المادية، والقومية، والترابية على الإسلام برمته، ويضربون به عرض الحائط.
وهذا ليس غريباً عليهم! لأنهم أصلاً لا يمتلكون عقيدة صحيحة، قوية، ناضجة، ولا يمتلكون الإيمان الكامل برب السماوات والأرض، ولا يؤمنون أنه من الواجب والفرض عليهم، طاعته في كل شيء من أمور الحياة السياسية، والاقتصادية، والإدارية وسواها.
فهم أقصى ما يأخذون من الإسلام، الجزء الروحاني، الممزوج بتهويمات الصوفية، وخيالاتها المُجَّنَحَة، وشطحاتها، وانحرافاتها، التي تؤمن بالحلول والاتحاد، كما بينها من قبل ابن عربي، والرومي وسواهما.
إضافة إلى أن الأنظمة التي تتبدل كل فترة تبعاً لنتيجة الانتخابات، فقد يأتي حزب يميني متطرف، أو يساري متطرف، أو علماني قومي عنصري متطرف. وفي هذا البلاء المبين، والخطر الكبير، والطامة الكبرى.
إذاَ ما العمل؟! وما هو الحل؟!
الحل بين أيديكم! فأنتم الذين تستطيعون تقرير مصيركم بأنفسكم، وتحقيق السيادة على أرضكم، وانتزاع حريتكم من بين أنياب الأسد وزبانيته.
لا تنتظروا أحداً سوف يدافع عنكم، أو يقاتل لأجلكم، أو يضحي بروحه أو ماله في سبيلكم، ولا تتوقعوا أن يحارب نظام ما، نظاماً آخر لأجلكم.
فلن تحصل حرب إقليمية، أو دولية على أرضكم – مهما قال الإعلام الكاذب: أن طبول الحرب تدق، وأن جيشاً عرمرماً يدخل أرضكم بين الفينة والأخرى – ولو جاءت جيوش العالم كلها إلى أرضكم، فما هي إلا استعراضات، ومناورات، وخداع وتضليل للناس الدراويش.
الحل: أن تشاركوا جميعاً في تجمع (السوريون الأحرار) الذي عرضنا مواصفاته، وميزاته الفريدة الاستثنائية، في مقالنا السابق.
وقد كتبنا حتى الآن أحد عشر مقالاً، نستثير فيها ضمائركم، ودينكم، وأخلاقكم، وحبكم للحرية، وعشقكم للعزة، والكرامة.. ونحثكم على الاستجابة لهذه الدعوة الكريمة، ونحرضكم على التفاعل والتجاوب معها.
فإن كنتم أحراراً حقاً، وصادقين في الشعارات الثورية، التي ترددونها آناء الليل وأطراف النهار، وتحبون أن تحرروا أرضكم، من المحتلين، ومن اللصوص، ومن شذاذ الآفاق، ومن حثالات البشر، وأن تبنوها من جديد بسواعدكم، وتعيشوا عليها أسياداً، كرماءً، بدلاً مما تعيشونه الآن في بلاد المهجر، بالذل، والهوان، والقلق من التهجير، والطرد في أي ساعة من النهار أو الليل.
إن كنتم كذلك! فعليكم أن تلتقطوا هذه الفرصة الثمينة النادرة، المعروضة عليكم، من رجل يحبكم، ويريد لكم الخير في الدنيا والآخرة، وأن تتجاوبوا وتتفاعلوا معه.
وإن لم تفعلوا ذلك! فأنتم على خطر عظيم. وإن كان بعضكم قد يقول: ساخراً، ومستهزئاً، ما هذا إلا ساحر مجنون! كما قد قيل من قبل لجميع رسل الله صلى الله عليهم وسلم.
أم تريدون أن ينطبق عليكم، ما جاء في أغنية (الضمير العربي)، وتبقون لاهين، لاعبين، سكارى، ضائعين
ماتت قلوب الناس ماتت بنا النخوة
يمكن نسينا فى يوم أن (السوريين) إخوة
مات الاحساس جوانـــا ولا
احنا اللى أمــــــــوات
اطفــال شيـــوخ نسـاء تصرخ وما حدش سامـــع
اشـلاء دمـاء شـهداء و ضمــــــير العالم ضايـــع
كلمة ختامية
( قل يا أيُها الناسُ إنما أنا لكم نذيرٌ مبينٌ ) الحج 49. إن تستجيبوا لهذا المشروع، تفلحوا وتحرروا أرضكم بإذن الله تعالى، وتعيشوا سادةً على أرضكم، وإن لم تستجيبوا، فإني لكم نذير بين يدي عذابٍ شديدٍ، ولن تذوقوا طعم الحرية في حياتكم أبداً! ( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) ﴾ الأحقاف.