23 ديسمبر، 2024 12:09 ص

تحديث مناهج التعليم ومواكبة أسواق العمل!

تحديث مناهج التعليم ومواكبة أسواق العمل!

فرض النظام المعرفي العالمي تغيرات وتطورات وتبدلات واسعة جداً شملت كل مناحي الحياة، بما فيها أسواق العمل، وكما يبدو فإن اقتصاد المعرفة المنبثق من تفاصيل وتفرعات النظام المعرفي قد استدعى تحديثات وتغييرات كبيرة في عالم المهن والوظائف، وهذه التحولات والتحديثات يستجد كل يوم فيها جديداً، كما عززت جائحة كورونا من سرعة هذه التحولات، فكان فعلها مع التكنولوجيا فعل الخميرة مع العجين، ما يجعل ثمة فجوة تزداد اتساعاً يمكن رؤيتها بوضوح عندما نلقي نظرة إلى محتويات مناهج التعليم في كافة المستويات وفي كافة التخصصات ونقارنها بمتغيرات ومستحدثات أسواق العمل.
إن أهمية تحديث مناهج التعليم بما يتوافق مع تحديثات وتغييرات المهن والوظائف في أسواق العمل باتت ضرورة قصوى، وهذه الضرورة تفرضها الفجوة الكبيرة الحاصلة بين التعليم ومناهجه وبين أسواق العمل والتي ستزداد اتساعا كلما تغيرت طبيعة المهن في أسواق العمل، ولا يمكن تقليصها أو محو مظاهرها إلا بتحديث منظومة مناهج التعليم، وإلا فمؤسسات التعليم ستضطر دائما أن تكون مخرجاتها البطالة المتعلمة والمثقفة، أو اللاجدوى في جملة تلك المخرجات، والتي لن تجد لها مكانا في أسواق العمل بالضرورة.
يحتاج العالم اليوم إلى ربط وثيق بين مؤسسات التعليم وأسواق العمل وتحديث هذا الربط بينهما بشكل مستمر ومنظم وبما يتوافق مع كافة التخصصات والمتطلبات التي تستدعيها تلك الأسواق.
ليست أسواق العمل فقط تلك الاقتصادية التجارية منها كما قد يتبادر للبعض، بل تعني كافة مجالات الحياة وكل ما يمكن أن يوجد فيه ممارسة حياتية للإنسان منها، ما يفرض التحديث الدائم لمناهج المؤسسات التعليمية بكافة مستوياتها، واستحداث تخصصات جديدة وعلوم جديدة تناسب متطلبات السوق ومستحدثاتها.
لقد فرضت تغييرات النظام المعرفي ما هو أكثر من ذلك أي من مجرد تحديث مناهج التعليم وتتعدى إلى تحديث منظومة التعليم ككل أولا بما في ذلك طرق تقييم مستويات تحصيل الطلاب الدراسية، وطرق أساليب التعليم فالأساليب التلقينية الأبوية التي كانت سائدة لا تتناسب مطلقا مع ما يفرضه النظام المعرفي وصار لابد من استبدالها بمنهجية قائمة على تعزيز قدرات التفكير والنقد والبحث والتحليل والاستنتاج والحث على الابتكار والابداع تناسب متطلبات المعرفة التي يستدعيها هذا النظام الجديد، بل وتستدعيها مُقدّرات الخلق البشري التي أكرم الله الإنسان بها وكرّمه واختصه بها دونا عن بقية الكائنات.
إن أهم ثيمة يمكن رؤيتها بوضوح في تفاصيل النظام المعرفي العالمي وكافة منتجاته ومستحدثاته هي ثيمة التكامل مع عالم الأشياء والموجودات في نظامه، وهذا لا يقتصر فقط على منتجات تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تزدهر وتزداد انتشارا يوما بعد آخر بل يفترض أن يكون شاملا لكل مجالات الحياة واشياؤها غير المادية الملموسة بما في ذلك المؤسسات الاجتماعية والعلمية في أي بلد، حيث لم يعد مجديا إدعاء الاكتفاء بالذات في أساليبها وآلية عملها ومناهجها، بل يستوجب أن يكون لها نظام يكرس نفسه من أجل التكامل مع غيره من المؤسسات لتحقيق الفائدة القصوى التي يستحقها المجتمع، تماما مثلما تتكامل أجهزة الذكاء الاصطناعي حين تعمل بنظام أنترنت الأشياء فتؤدي وظائفها بأعلى مستوى من الإجادة، وأدنى تكلفة اقتصادية، وأكبر مستوى من الفائدة للإنسان، وهذا الحديث للتأكيد على ضرورة ربط مناهج التعليم بكافة مستوياته مع أسواق العمل وكافة مجالات الحياة ومؤسسات المجتمع تحقيقا لأعلى فائدة ترجى وبإدنى كلفة اقتصادية وأوسع رؤية ممكنة ليس فقط من أجل النظام المعرفي الذي يفرض الاكتمال مع الأشياء، بل لأن كل شيء مرتبط منذ البداية، الإنسان مرتبط بعالم الموجودات في هذا الكون، وارتباطه بها أزلي، ولابد أن تتكامل كل الأشياء وتتضافر جهودها لتستعيد أمجادها في هذا الجانب، وتعمل معا من جديد من أجل رفاه ورقي الإنسانية ومن أجل ازدهار هذا الكون.