صراع جديد على المكاسب والمغانم يظهر على الساحة، فبعد أن تشاركوا في السرقة اختلفوا على قسمتها، وزعم الجميع برائتهم من الفساد، واتفقوا على نقل الصراع إلى ميدان القضاء، في كلمة حق يراد بها باطل.هذه القصة امتداد إلى الخلاف على دستورية جلسات البرلمان لشهر نيسان الماضي، وكيف نجحت المحكمة الاتحادية العليا في اخراج السلطة التشريعية من مأزق اختلقته كتل سياسية ومغامراتها!.
حلقة جديدة من مسلسل المزايدات الوطنية عرضتها وسائل اعلام محلية وعالمية من خلال بث وقائع جلسة استجواب وزير الدفاع من قبل النائبة عالية نصيف، فقد انطوت على مفاجآت لا تحتويها مشاهد افلام هوليود الأكثر اثارة.
المتخاصمون خلال السنوات الاخيرة يحاولون رمي كرة النار في ساحة المحاكم للتخلص من المسؤولية الاخلاقية أمام الناخبين.
رغم أن البعض يظن الغرض من التلويح بالذهاب إلى المحاكم هو لإثبات حقيقة الاتهامات لكنّ الوقائع تشيّر خلاف ذلك.الاعلان عن اللجوء إلى القضاء وبحسب وجهة نظر هؤلاء هو وسيلة لأخذ قسط من الراحة والانتقال إلى مرحلة اخرى من المساومات؛ لأن الطبيعة القانونية للدعاوى التي تتعلق بالفساد في العراق تقتضي وجود مشتكي أو مخبر عن الجريمة، وهي التي جرى الحديث عنها في مجلس النواب خلال الجلسة.اغلب هذه القضايا يجري تسويتها بعيداً عن المحاكم عن طريق “الترضية المشبوهة”، في حين يتعهد صاحب الادعاء بالفساد بعدم اللجوء إلى القضاء، أو أنه يمتنع عن تقديم الادلة الكافية التي تدين المتهم، وما على القاضي إلا أن يحكم في ضوء ما تقدم له من ادلة وقدّ يكون قراره بغلق الدعوى، وفق ما ورد في قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وفي الحالات التي جرى الحديث عنها مؤخراً، واغلبها تتعلق بأن مساومة حصلت في لقاء خاص، أو عرض وقبول الرشوة، فأنها وقائع تثبت بالدرجة الاساس بوجود شهود، وهو ما قد يتمنع صاحب الادعاء عن تقديمهم من أجل لملمة الموضوع لقاء ثمن يجري الاتفاق عليه مع الطرف الاخر.وبعد حسم النزاع، لا يبقى لبعض الكتاب والمؤثرين في الرأي العام، إلا توجيه الاتهامات إلى القضاء بأنه قصّر في تأدية واجبه، أو أنه تعرض لضغوط اجبرته على اغلاق الملفات، وهم لا يكلّفون انفسهم في البحث عن اسباب هذا الغلق.
ولعل السؤالين اللذين يجب طرحهما هنا وننتظر الاجابة عنهما اذا تحول الكلام إلى اقوال يدلي بها صاحب الادعاء إلى المحكمة: هل ستبقى ذات الادعاءات التي تطرق اليها المشتكي امام الشعب العراقي عبر وسائل الاعلام، أم يتراجع عنها بمجرد وقوفه محلفاً امام القضاء، وهل سيقدم الادلة الكافية التي تعزّز اقواله؟بحسب معلوماتي فأن محاكم النزاهة تشبعت بمثل هكذا سيناريوهات؛ لأنها تكتشف في ما بعد أن الواقع يختلف كثيراً عن الحماس الذي يبديه النائب أو المسؤول التنفيذي امام الكاميرات، بعد أن يجري طمس الادلة (أن وجدت)، باتفاقات بين المتخاصمين في الغرف المظلمة.
كان الله في عون المؤسسات القضائية وهي تواجه تحديات عدّة، مع وجود مساع لتحويلها إلى ميدان لحسم نزاعات السياسيين التي بالدرجة الاساس مرتبطة بـ “مافيات تجارية” مهيمنة على العديد من مفاصل الدولة، كما أنها تواجه في محور اخر محاولات لتشويه عملها من خلال سعي السلطة التشريعية لسن قوانين متعلقة بتنظيم عمل القضاء لكنها تحرفه عن مساره وتجعله فريسة سهلة لفايروس المحاصصة.