23 ديسمبر، 2024 6:07 م

تحديات التفكير العلمي المعاصرة

تحديات التفكير العلمي المعاصرة

عانت العقول البشرية منذ فجر التاريخ من مشكلة التحديات الفكرية الفلسفية والعلمية حتى يومنا هذا، لأسباب عديدة ٍ لعلَّ أهمها ما يلي : ـ
1ـ تحديات جاهلية
2ـ تحديات دينية
3ـ تحديات سلطوية
أولاً : تحديات جاهلية :
إنَّ أقدم مشكلة دمّرت العقل البشري على الأرض هي مشكلة الجهل، وبالرغم من الجهود الطـويلة التي بذلها الأنبياء والمصلحون والفلاسفة والمفكرون .. الميتافيزيقيون والوجوديون ،إلا ّ أنَّ مشكلة الجهل لازالت تنخر في طريقة التفكير البشري .. على مرّ العصور والدهور.
مشكلة ومهزلة الجهل ، ناجمة عن طريقة التفكير البشري، الإنسان الذي يعتبر أنَّ تفكيره هو الأصح على الإطلاق ، ونظريته هي الأصوب على الإطلاق .. ظنّـا ً منه بالمعرفة الفردية المثلى،دون غيره ، يكون خطراً فكرياً على الأمّة السادرة بجهلها المتوارث، وهي مخدوعة بجهلها ن ظنّاً منها بأنها تعيش النهاية العظمى من منحني الحضارة، في الوقت الذي تستقرُّ في قعر المنحني .والمشكلة؛إنَّ تلك الأمّة لا تعي حالها حتى تحترق بجاهليتها، ما لم تفاجأ بمنقذٍ حضاري .
فبعد أنْ توارد مصطلح ( جاهلية القرن العشرين ) لابد أنْ يتبعه مصطلح (جاهلية القرن الواحد وعشرين).. سيّما ونحن لسنا بعيدين عن القرن السابق كثيراً.
فالجهل حالة في الأمم ، وليس مرحلة فيها ، كما هو معروف، وهذه الحالة ممكن أن تكون متلاقحة ومتلاحقة التوارث في أيّة أمّة لا تنتبه للحالة التي هي فيها.. تماماً ؛ كالمريض العقلي، الذي لا يشفى من مرضه ، حتى يعرف أنّه مريضٌ عقلياً ، عند هذه اللحظة من الوعي يشفى ، أو يفاجأ بطبيب ٍ حاذق ينقذه من أزمته .
ثانياً : تحديات دينية :
 ويأتي هذا التحدي من إنكار قدرة العقل البشري على الإتيان بالمنجز الحضاري العلمي ، القادر على حلّ المعضل الفلسفي والعلمي للأمة أو الفرد، وهذا نتاج الإيمان بالقدرات الغيبية الماورء الحس المادي .. كما هي الحال في الديانات الوثنية والبوذية والهندوسية والمجوسية وغيرها، تلك التي تبني فلسفتها العقلية على فكرة الإتيان بالغيب الناتج عن قدرة الموجودات المادية الحسيّة الطبيعية الواهبة لمعطيات ما وراء طبيعية ، وهي فكرة متناقضة ، من أول وهلة؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، إذ كيف تستطيع مادة أو طاقة أن تتحكم بغيب فلسفي ما وراء الطبيعي، وهي المحكومة بنواميس الطبيعة ذاتها !!؟..
ولقد أوقع هذا التحدي أمماً ومجموعاتٍ بشرية ً في تيه فلسفي مطبق، طالَ عقولَ بعضاً من الأساتذة الأكاديميين وما زالوا ، كالأساتذة الجامعيين الهندوس والسيخ وغيرهم .
كما وقعت الكنيسة الأوربية بذات المأساة ، من خلال موقفها الديني من العالم غاليلو ، وما تعرّض له الحلاج في فلسفته الصوفية هنا.. وغيرهم ، كما أثارت مشكلة التحديات الدينية المتطرفة لبعض المذاهب الإسلامية مشكلة معاصرة في طريقة التفكير العلمي المعاصر، وهي كثيرة ومعروفة ،   لا مجال لسردها ، ربّما تسببت ، بل؛ تسببت في نفور خطير من العقيدة الإسلامية ، بسبب الداعين إليها بجهل ، هم سيتحملون وزرَ هذا التوجه الجاهل عذاباً من الله شديد !..
ثالثاً : تحديات سلطوية :
عندما تكون السلطة الحاكمة للأمّة هي المصدر الذي لا يُناقش، وإنَّ معرفة حاكمها تسمو على معرفة الشعب ، هنا؛ تحدث الكارثة !!!..
والأخطر عندما تحكم السلطة ُبأمر الله ـ دون إذن من الله سبحانه ـ وأكرر هنا ؛ ما تعرّض له غاليلو من قبل الحكومة أو السلطة الكنسية في أوربا ، ما بالك إذا ادّعى امرئٌ أنّه ظلُّ الله في الأرض وأنّهُ الملكُ !!؟ والله تعالى منه برئ !..
لقد عانت الأمّة الإسلامية من السلطان العثماني في التاريخ الحديث، وعانت بعض الشعوب العربية من مهزلة (عبد الله المؤمن) في بعض الحكومات الحديثة ، وكأنَّ الطريقة التي يفكـِّرُ بها أمثال هؤلاء تنزّههم عن الإتيان بالأطروحة الخاطئة .. دون غيرهم من العباد في البلاد، مما يجعل الشعوب والأمم تترنح حقباً وعقوداً بسبب هذه المأساة السلطوية القاهرة على طريقة التفكير العلمي والأيديولوجي في المجتمع المحكوم بها،مما يحدث فجوة واسعة بين تقدم الشعوب والدول في العالم المعاصر ، من النواحي العلمية والعملية وطرائق التفكير السوسيولوجي لأبناء تلك الأمّة .
والمشكلة ؛ إنَّ الأمّة تلك ملزمة بالخضوع لتلك الأطروحات الخاطئة بسلطة السيف والسوط ، وهذا ما عانينا نحنُ منه ، وعانت منه أوربا أيضاً ، في عصور النهضة وفي العصور الوسطى، فلقد خضعتْ ردحاً طويلاً لفلسفة أرسطو التي تسلـّطتْ عليها طوال أكثر من ألف وخمسمائة عام ، بوصفه (المعلم الأول) ، حتى خاض العالم غاليلو معركة عنيفة ضد سلطة أرسطو الفكرية في أوربا ، حيث جاهد غاليو وناضل لأجل تحرير العقل الأوربي من السلطة الفكرية لأرسطو .. كما يصفها الدكتور فؤاد زكريا في كتابه التفكير العلمي، ولعلَّ غاليلو وأمثاله استطاعوا أنْ يصححوا طريقة تفكير العقل البشري الأوربي ، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من تقدّم ٍ علميٍّ كبير.
لقد أحدثت السلطات الحاكمة للعقل العربي والإسلامي تأخيراً خطيراً للمسيرة العقلية العلمية ، فلو كان قـُدِّرَ للمسيرة العقلية العلمية للأمة العربية والإسلامية الاستمرار ببرامجها العلمية منذ صدر الإسلام وأزمتها الذهبية لكانت قد فاقت العالم طولاً وعرضا،فما أحرانا اليوم ؛ وما أحوجنا ؛ إلى نهوض علمي ونهوض عقلي يبعدانا عن التقوقع والخضوع لعاداتنا وأساليبنا المألوفة ، كي ننهض بأمّة عاقلة عالمة .. تبني وتتعلم وترتقي بين أمم الدنيـــــــــــــا .