مع اقترابِ موعد الامتحانات الوزارية ( البكالوريا )، قرر ( علي ) الطالب في الصفِ السادس العلمي بثانوية النهوض للبنين الاعتكاف عن محيطه الاجتماعي الذي تعود العيش في ثنايا فضاءاته، ولاسِيَّمَا ممارسته لرياضةِ كرة القدم التي عرفته أزقة مدينته وساحاتها لاعباً دمث الخلق يتمتع بمهاراتٍ متميزة، فضلاً عن متابعته نشاطاتها المحلية والعالمية التي أفضتْ إلى تأثرهِ بطريقةِ لعب بعض نجوم المستديرة التي صبغت اسمه بلقبِ ( روني ) من شدةِ إعجابه بأداء لاعب نادي مانشستر يونايتد ومنتخب إنجلترا ( واين مارك روني ) الذي اشتهر بمقولته ( أريد أن أفوزَ في كلِ شيء أفعله، سواءً كان ذلك في لعبةِ بلاي ستيشن أو اللعب على ملعبِ أولد ترافورد ).
الآفاق الجديدة لما أقامه من مغتربٍ في غرفتهِ بالطابقِ الثاني من منزلِ عائلته بمدينةِ الكمالية شرقي بغداد التي كانت الأيام وماتزال توشح أبناءها بعطرِ الشهادةِ، لم تدفعه إلا إلى السعي الحثيث في الانكبابِ على كتبه الدراسية في محاولةِ اجتياز الاختبار النهائي بعلاماتٍ عالية تمكنه من تحقيق حلمه بعبورِ بوابة الحياة الجامعية؛ ليقر عيون ذويه وإدارة مدرسته، وفي المقدمةِ منهم والده الذي أضناه السقم المتزامن مع صعوبةِ حصوله على العلاج، غير أنه لم يكن عارفاً بما يحيط به مما يخبؤوه المجهول الذي لم يمهله أيام عدة للمشاركةِ في تأديةِ الامتحانِ، حين استقرت برأسهِ رصاصة ( بي كي سي ) عمياء طائشة وهو منشغل بمذاكرته، لتجهض ما يدور بخلده من أفكارٍ بريئة تؤطرها أمنيات طالما سعد بالتفاعلِ معها.
عائلته وأحبته وإدارة مدرسته الذين لم يهدأ لهم بال أو عقل من هولِ فاجعة صادمة أفرزها نزاع قبلي مسلح، أشعل فتيله خلاف حول مصالح تجارية، في غيابِ حكمة علية القوم التي أخفقت في رأبِ الصدع، ولم تترك للمتخاصمين على ما يبدو فرصة اللجوء إلى القضاءِ لحسمهِ على وفقِ التشريعات القانونية النافذة التي بمقدورِ مضامينها إعطاء كل ذي حق حقه، فكان أن أوقفتَ هذه الرصاصةِ الحمقاء مشروع واعد لأحدِ فقراء البلاد الذي ربما أصبح ذات يوم ذا شأن في مجتمعه وهو الباحث عن فرصةٍ للتأملِ ترضي طموحه في هذا الزمان الرديء.
لا أغالي في القولِ إن الخطابَ الأهوج المخبول في ظلِ تحجيم الطبقة السياسية ( سلطة القانون )، يعد أبرز العوامل التي ساهمت بإيقاظِ موجبات هذه الظاهرة التي لا مثيل لها في عالمِ الألفية الجديدة، إلا في بلدٍ نتباهى جميعاً باحتضانِ أرضه لأولى الحضارات الإنسانية القديمة، وجميعنا مسؤول عن حضورِها طالما رفضناها في أكثرِ من مناسبة!!.
أحلامُ ( علي ) ذهبت سدىً حين أوقفت الرصاصة الهوجاء الزمن، فكان أنْ وجدتَ في سكونِ مقبرة وادي السلام مستقراً لها، ولا عزاء لذويه سوى قطعة قماش صغيرة يوشح بها أحبته جدارِ منزل أو واجهة بناية، أما الذين يحضرون الفصل العشائري فلا اعتقد أن أحدهمَ يتحسس بمشاعرِ والدة الفقيد حين ترمق بنظرةِ حزن جموع المتوجهين إلى تأديةِ الامتحان النهائي؛ لقناعتها باستحالةِ رؤية شهادة تخرج فلذة كبدها.
في أمانِ الله.