23 ديسمبر، 2024 1:02 ص

هذه ليست المرة الاولى التي يعلن فيها عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة، تحالفا جديدا على طريقة الوجبات السريعة او الجاهزة، اذ اعلن الثلاثاء الماضي تحالفا ضم 41 نائبا ونائبة، فلقد سبق له تشكيل عدة تحالفات مع عدد من اطراف العملية السياسية، كان اخرها التحالف الذي اعلن عنه في نهاية العام الماضي، وتحديدا يوم 20 تشرين ثاني عام 2019، ونتج عنه وثيقة سميت بوثيقة الشرف، التي لن تجد لها مثيلا في افضل الدول الديمقراطية بالعالم. بل ضاهت هذه الوثيقة نظرية الفيلسوف اليوناني افلاطون لبناء جمهوريته الفاضلة. لينتهي مفعولها قبل ان يجف حبرها
وكما جرت العادة، فان قوام برنامج هذا التحالف هو الاصلاح، الذي اصبح لازمة لكل التحالفات التي يشكلها هؤلاء الاشرار، لما لهذه الكلمة من سحر في وجدان الناس، جراء حجم الفساد الهائل الذي عم العراق من شماله الى جنوبه، وتسبب في كل الويلات والماسي التي تعرض لها الشعب العراقي طيلة سنين الاحتلال العجاف. اما ديباجة البرنامج، فهي نفسها التي تتحدث عن التحديات الكبيرة والخطيرة التي يمر بها العراق، وضرورة مواجهتها والعمل على تقوية مؤسسات الدولة وتطبيق القانون وتعزيز قدرات القوات المسلحة والاجهزة الامنية وانهاء الفساد والطائفية. اضافة الى التغني بالوطن والوطنية والنزاهة والشرف والاستقلال والسيادة الوطنية وتطبيق القانون وهيبة الدولة. ليس هذا فحسب، وانما يشترك هؤلاء الاشرار، حتى في اختيار القافية لاسماء تحالفاتهم. فعلى وزن تحالف “سائرون” لصاحبه مقتدى الصدر و”صادقون” التابع لقيس الخزعلي، ودولة القانون لنوري المالكي، اختار عمار الحكيم اسم “عراقيون”. لتحالفه الجديد. وهم في حقيقة الامر ساقطون وليسوا عراقيين.
لا نحتاج الى جهد للوقوف على الاسباب التي دفعت الحكيم لتشكيل هذا الحلف النيابي وفي هذا الوقت بالذات. فهي ذاتها التي دعت الاطراف الاخرى الغارقة في مستنقع العملية السياسية الاسن، للقيام بمثل هذا النشاط المشبوه. ويمكن حصرها في هذه المرحلة بالثورة العراقية، حيث شكلت خطرا على سلامة العملية السياسة، واحتمال سقوطها في اي وقت. الامر الذي يحتاج الى تحالفات وتكتلات، سواء من اجل المساهمة في حماية العملية السياسية من السقوط، او حماية انفسهم من اقصاء او تهميش او عقوبة، جراء ارتكابهم جرائم قتل وسرقة المال العام وعقد الصفقات المشبوهة. اما اسراع عمار الحكيم باعلان هذا التحالف دون سابق انذار، فمرده يعود الى شعوره بفشل مصطفى الكاظمي، الذي يعول عليه الحكيم كثيرا، في الالتفاف على الثورة العراقية، واقناع الثوار بالتخلي عنها، خاصة وان الكاظمي قد مارس استعراض القوة لانهاء الفساد وضرب الفاسدين و حل المليشيات وحصر السلاح بيد الدولة. وهذا ما يفسر اهتمام التحالف بمطالب

الثوار وتعهده “بالعمل على اجراء انتخابات مبكرة، نزيهة وعادلة تضمن حقوق الجميع بلا تمييز او تضليل”.
هذا التحالف يعيد للاذهان التحالفات السابقة، التي جرى تشكيلها، اما لذات الاسباب او لغايات اخرى. فعلى سبيل المثال، فان الدافع وراء تشكيل الائتلاف العراقي الموحد برئاسة عبد العزيز الحكيم في اواسط عام 2003 هو تاييد الاحتلال ونيل حصة الاسد في مجلس الحكم المرتقب، وقيام تحالف البيت الشيعي كان من اجل الوقوف بوجه المقاومة العراقية ضد الاحتلال، والتحالف الوطني العراقي برئاسة ابراهيم الجعفري لحماية العملية السياسية من السقوط في مواجهة الانتفاضات الشعبية المتكررة، وتحالف الاصلاح لدعم المالكي لنيل ولاية ثالثة، وتشكيل الحشد الشعبي للدفاع عن شماعة الاماكن المقدسة. اما وثيقة الشرف فقد صممت من اجل دعم حكومة عادل عبد المهدي، التي اهتزت الارض من تحت اقدامها، جراء الثورة العراقية العملاقة. والا بماذا نفسر حالة الهدوء والسكينة والسكوت عن الفساد، مقابل تعالى الاصوات حول الاصلاح في حالة الغليان الشعبي او قيام انتفاضة او ثورة شعبية؟
اما اكثر التحالفات المفضوحة، فهو تحالف سائرون لصاحبه مقتدى الصدر. حيث كشف الرجل عن نفسه بنفسه. فبعد ان نجح في استخدام الحزب الشيوعي لتلوين عمامته السوداء بالعلمانية وفوزه بالمرتبة الاولى في الانتخابات الاخيرة عام 2018 ، تخلى فورا عن البرنامج الذي دخل فيه الانتخابات والمكون من خمس واربعين نقطة ” اصلاحية”. واقام تحالفا جديدا من اجل تشكيل الحكومة، مع كتلة هادي العامري، الذي يعتبر رمز الطائفية في العراق، ورجل ايران المعتمد الداعي الى اقامة عراق ايراني يؤمن بولاية الفقيه. ومع رمز الفساد الاول في العراق عمار الحكيم، ومع عراب الاحتلال اياد علاوي الذي تباهى بالصوت والصورة، وفي عدة مناسبات، بانه ليس عميلا لامريكا وحدها، وانما هو عميل لخمسة عشر جهاز مخابرات عربيا ودوليا.
لندع عمار الحكيم وزملاؤه الاشرار، ومعهم المتلون مقتدى الصدر يواصلون اللعب بالبيضة والحجر، على امل بقائهم في السلطة لاطول فترة، ونلفت الانتباه الى ان اصلاح البلاد وانقاذ العباد لا يمكن تحقيقه في ظل وجود هؤلاء الاشرار، وفي ظل وجود المحتل الاجنبي، مهما شكلوا من تحالفات او وضعوا برامج وخرائط طريق او الية عمل. فبالاضافة الى ان هؤلاء دون استثتاء قد دمروا البلاد وسرقوا العباد، فان منظومة الفساد التي اسسها المحتل الامريكي وبالتعاون مع وصيفه الايراني، لا يمكن اختراقها او اصلاحها من الداخل، حيث لم تقتصر هذه المنظومة على اعضاء حكومة او برلمان، او مديرية عامة. ولا على هذا الوزير او ذاك، ولا تخص عضو لجنة او مفوضية، ولا قاضي في محكمة، كما هي الحال في الدول الاخرى التي تعاني من هذه الافة، وانما شملت هذه المنظومة كل مؤسسات الدولة، من اعلى سلطة فيها، مثل الحكومة ومجلس النواب والقضاء، الى اصغر سلطة مثل الدوائر الحكومية والمديريات العامة وغيرها. والمصيبة

الاكبر ان المسؤولين كافة لا يخجلون من ممارسة الفساد بكل اشكاله وانواعه، بل ان بعضا منهم لا يهابون الحديث علنا عن سرقاتهم، بما فيهم اعضاء في لجنة النزاهة، التي من المفترض فيها كشف ملفات الفاسدين وتقديمها الى المحاكم. هذا ليس تجنيا او اتهاما، وانما اعتراف صريح جاء على لسان شاهد من اهلها وفي قمة الهرم، والمقصود هنا رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي. حيث اكد من على منبر البرلمان وبحضور اعضائه وتغطية العديد من وسائل الاعلام العراقية والعربية والعالمية، اكد على وجود اربعين ملفا شملت كل ركن وزاوية في الدولة العراقية وهي: تهريب النفط، العقارات، المنافذ الحدودية، تهريب الاموال، الكمارك، تهريب الذهب، السجون ومراكز الاحتجاز، تجارة الحبوب والمواشي، التهرب من الضرائب، الاتاوات والقومسيونات، تهريب العملة، ملف التقاعد، المخدرات، ملف الشهداء، التجارة بالاعضاء البشرية، تجارة الاسمدة والمبيدات، تسجيل السيارات، التجارة بالعملة الاجنبية، بيع وشراء السيارات، الاقامة والسفر، الادوية، سمات الدخول، البطاقة التموينية، الرعاية الاجتماعية، الكهرباء، التعينيات وبيع المناصب، تهريب الحديد والسكراب، الامتحانات وبيع الاسئلة، القروض المالية والسلف بدون غطاء، الاتصالات والتلفونات وشبكات الانترنيت، ملف النازحين. وكان الرجل قد اعلن قبلها عن فقدان 300 مليار دولار من خزينة الدولة خلال سنين الاحتلال. اي بمعدل 20 مليار دولار سنويا. ومعلوم ان عادل عبد المهدي لم يعالج اي ملف من هذه الملفات بل اضاف اليها 25 ملف اخر حسب اعترافه.
خلاصة القول فان مهمة هؤلاء الاشرار ليس الاصلاح، وانما مهمتهم تنفيذ مشروع الاحتلال لتدمير العراق دولة ومجتمعا. وبما ان هذا المشروع التدميري لم يكتمل بعد، فان اي اصلاح في ظل وجود المحتل وهؤلاء الاشرار هو ضرب من المستحيل. خاصة بعد ان تحولت هذه المنظومة الى وحش عملاق وغول اخطبوطي، امتدت اذرعه في مناحي الحياة كافة، لتشكل في نهاية المطاف سلوكا يوميا مستساغا، الهدف منه افساد الشعب بحيث يصبح خنوعا مستسلما وراضيا بما يتعرض له من مصائب وويلات. او يصل الى الحالة التي تحدث عنها المفكر التنويري عبدالرحمن الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” حيث يقول “الشعب الفاسد هو اس الفساد وقوته. بهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً، وإذا قتل منهم ولم يمثل به يعتبرونه رحيماً؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ، وإن نقم عليه منهم بعض الاباة قاتلهم كانهم بغاة. وعلى الرغم من قناعتنا بان هذا الشعب الابي لن يصل او يقترب من هذه الحالة، يبقى طريق الخلاص في مواصلة الثورة الشعبية وعدم توقفها قبل هزيمة هؤلاء الاشرار.