اللعب على المكشوف ، والخيارات العربية
لم يعد خافيا اليوم ان الحلم الامبراطوري الايراني بات يلعب على المكشوف, فايران دافعت عن نظام بشار دفاع وجود, وضمت المالكي الى محورها مع سوريا وحزب الله اللبناني ضد ما قيل انه محور تركيا والسعودية وقطر, هذا المحور الاخير بدى مهلهلا بعد الانقلاب في مصر واختلاف اطرافه بين مرسي والسيسي, لكنه قد يعيد ترتيب اوراقه بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى الرياض ولقائه بالعاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز الذي قيل انه يعتزم تصحيح بعض الاخطاء التي وقع فيها سلفه الملك عبد الله.
فالدول العربية عاشت في الفترة الماضية ما يشبه الغيبوبة لانشغالها بدعم الانقلاب في مصر او الانكفاء داخليا, وبالتالي وهذا فان اي انتصار ايراني هو عنوان هزيمة ثقيلة اخرى للانظمة العربية، ودليل اضافي على فشل سياساتها وقصر نظر حكوماتها، وعجزها بالتالي عن قراءة خريطة الاحداث قراءة صحيحة، وفشلها عن تشخيص الخطر الحقيقي, فبدلا من الجهود والاموال والالة الاعلامية التي كرست لمحارية الاسلام السياسي كان من الممكن ان توجه الى ايقاف المد الفارسي القادم بلبوس عقائدي.
وظلت الحكومات العربية سادرة في سجذاتها, فقد سلمت جمجمة العرب للعدو على طبق من ذهب, بعد صدقت الاكاذيب الامريكية عن عداوتها مع ايران، لكن قنوات الحوار تفتح اليوم بين الطرفين, وهي تسير بالتوازي مع الخطب النارية التي تصدر من الطرفين لذر الرماد في العيون, ويبدو ان تقاسم مناطق النفوذ في المنطقة يمشي على قدم وساق .
بعض العرب الذين قدموا مصالح امريكا على مصالحهم, لم يجنوا سوى الصفعات المتتالية, فرغبتهم بالاطاحة بنظام بشار الاسد لم يجد اذن صاغية من امريكا واوربا اللتين تراجعا عن التهديد بضرب النظام السوري بعد استعماله للسلام الكيمياوي على شعبه, فواشنطن والاتحاد الاوربي اكتفوا بتجريد بشار من السلاح الكيمياوي حماية لحيفها الحقيقي “اسرائيل” .
واوباما وعد العرب مرار وتكرار بان ايام بشار صارت معدودة، لكنه لم ينفذ ايا من وعوده, بل ان اخر تصريحات الرئيس الامريكي تشير الى “الاضطرار” الى اللجوء لحل دبلوماسي في سوريا واشراك ايران في اي هذا الحل .
الطائرات الامريكية التي تدك مواقع داعش في العراق, وقفت متفرجة على جرائم الحرب التي يرتكبها النظام السوري, كتفرجها على ما يفعله الحوثيون في اليمن, فحلفاء ايران هناك باتوا يحاصرون الخليج من كل الاتجاهات, وسط هتافات السقوط لامريكا, والسفارة الامريكية على بعد امتار من دباباتهم دون ان تدعو واشنطن رعاياها للخروج من الاراضي اليمنية التي ظلت الطائرات الامريكية المسيرة بلا طيار وهي تضرب عناصر تنظيم القاعدة شهورا او اعواما, والامر ليس له علاقة بازدواجية المعايير الامريكية بقدر ما له علاقة بتشخيص عدوها الحقيقي والبحث عن مصالحها
ما ينساه العرب دوما هو ان السياسة ليس فيها حلفاء دائمين او اصدقاء دائمين, بل هناك مصالح دائمة, والقوي لا يمكن ان يحترم الا من كان قويا, فهم لم يستفيدوا من الدرس البريطاني في بداية القرن العشرين, فكرروا ذات الخطأ في مستهل القرن الحادي والعشرين, وظنوا ان امريكا التي جاءت بخيلها ورجلها لتحرير الكويت او اسقاط صدام ستعيد الكرة مع ايران, ان لم يكن اكراما لعيون العرب فمن اجل عيون النفط التي كانت دوما سندا ستراتيجا لبلاد العم سام, ولكن لماذا العجب؟ فمن ينسى فضيحة ايران غيت او ايران كونترا بامكانه نسيان غيرها.
وعندما يسمع احدنا ان التعاون التجاري بين الامارات وايران هو الاكبر في المنطقة, يجد في صدره غصة تدفعه للتساؤل: اي هوان وصلنا اليه؟ مع ان الايرانيين عبروا عن كراهيتهم للعرب حتى في المجال الرياضي حينما استقبلوا الفرق الكروية العربية في طهران بالشتائم تحت لافتة كبيرة اسمها”الخليج فارسي”.
بل حتى الربيع العربي الذي قام على سواعد الشباب وبدمائهم, لم تستفد منه الشعوب العربية بقدر ما استفادت منه ايران التي عززت وجودها في سوريا واليمن مستفيدة من ثورتي الشعبين هناك.
بعد هذا كله فلم يعد امام العرب ألا معرفة التعامل مع خصمين يجيدان صناعة العداوة بينهما لكن دون ان يصطدما, ويعرفان ايضا كيف يتفقان لتحقيق ما يشتركان فيه من مصالح.
ابناء العروبة اليوم ملزمون بتوجيه بوصلتهم بالاتجاه الصحيح ومعرفة عدوهم الحقيقي, فالاوراق التي بحوزتهم باتت محدودة, بعد سقوط ورقة التوت عن امريكا والغرب, وربما الحلف الذي بدأ الحديث عنه هذه الايام مع تركيا والباكستان من شأنه ان يحد من العنجهية الايرانية, كما ان اقامة الكونفدرالية الخليجية خطوة اخرى في الاتجاه الصحيح, دون ان ننسى الورقة الداخلية المتمثلة بالاحواز العربية التي خذلها العرب, وآن لهم ان يلعبوها ان لم يكن لا جل الحيف الذي يلحق باشقائهم الاحوازيين, فمن اجل شعوبهم, التي قد تواجه نفس المصير ان لم يقف العرب وقفة ذي قار وينشد فيهم الاعشى مجددا:
لما التقينا كشفنا عن جماجمنا ليعلموا اننا بكر فينصرفوا