تداولت وسائل التواصل الاجتماعي ، نسخة مصورة من كتاب وزارة المالية / قسم إعداد الموازنة الجارية بالعدد 1740 في 16/ 2 / 2020 والمتضمن مقترحات اللجنة المشكلة بموجب قرار مجلس الوزراء 428 لسنة 2019 والمبلغ بموجب كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء بالعدد 41103 في 1/ 12 / 2019 ، والذي تقرر بموجبه تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وعددا من الأعضاء لمراجعة تقديرات الإنفاق الجاري والزيادات التي طرأت على مشروع قانون الموازنة لغرض إيجاد الحلول المناسبة بشان هذه الزيادات وتحديد المطلوب إدراجها او تأجيلها او حذفها او إيقاف العمل بها بسبب قلة الموارد المالية المتاحة ووجود عجز كبير يقدر ب51 تريليون دينار في موازنة 2020 ، وتضمن هذا الكتاب الموجه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء / مكتب السيد الأمين العام مجموعة من المقترحات تم التوصل إليها بعد الاجتماع المنعقد بتاريخ 30 / 1 / 2020 ومنها ما ورد في الفقرة ( 1 ) التي تضمنت :
(( تجميد جميع العلاوات والترفيعات في جميع مفاصل الدولة واعتبارا من 1 / 1 / 2020 البالغة (1022,561) مليار دينار ويتضمن ذلك في مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة / 2020 ))
ورغم إن ما ورد في هذه الفقرة هو ( مقترح ) لان مشروع قانون الموازنة لايزال ( يراوح ) في مكانه رغم انقضاء شهرين على بداية السنة المالية الحالية ( 2020 ) ، إلا إن ورود هذا المقترح ضمن إجراءات تقليص عجز الموازنة قد أثار العديد من علامات السؤال والتعجب لان الحكومات غالبا ما تستهدف الموظفين في إجراءاتها التقشفية والتستر على ( الفشل ) في مختلف المجالات رغم وجود بنود عديدة للصرف في أبواب وأقسام الموازنة الاتحادية يمكن شمولها بالتخفيض ، فقد اتبع هذا الأسلوب السيد حيدر العبادي أثناء تكليفه بمهام رئاسة مجلس الوزراء للسنوات 2014 – 2018 عندما اصدر قرارا بتعديل ( تخفيض ) سلم الرواتب رغم مخالفته للقانون ، كما تم فرض ضريبة الدخل على الموظفين وهو أمرا غير معمول به لان الموظفين هم من ينتجون الدخل في دولة ريعية فكيف تفرض على من ينتج الدخل ضريبة عن إنتاجه للدخل ؟ ، ويلاحظ في قرار او اقتراح اللجنة أعلاه إن المبلغ المستهدف للتخفيض في نفقات الموازنة ليس عاليا إذ يعتقد الكثير إن هناك مجالات عديدة يمكن استهدافها بدلا من العلاوات السنوية للموظفين ما أن هناك نشاطات ايرادية يمكن ولوجها لتنويع الدخل وتقليل العجز من خلال الإنتاج بما ينعش الاقتصاد ، فالعلاوة السنوية للموظف التي يحصل عليها شهريا لمرة واحدة في السنة بعد اجتيازه لإجراءات التقييم او التقويم تبلغ 3000 دينار شهريا للموظفين في الدرجات 10، 9، 8 و6000 دينار شهريا للموظفين في الدرجات 7، 6 ، 5 و8000 دينار للموظف في الدرجة الرابعة و10000 دينار للموظف في الدرجة الثالثة و17000 دينار للموظف في الدرجة الثانية و20000 دينار للموظف في الدرجة الأولى ، ولو طبقت هذه المقترحات في موازنة 2020 فان الحكومة التي ستصدر في عهدها الموازنة ( إن شاء الله ) ستسجل سبقا تاريخيا كونها الحكومة العراقية الأولى التي تقوم بتجميد صرف العلاوات منذ قيام الدولة الوطنية عام 1921 .
ولان مشروع قانون الموازنة لايزال في ( جعبة ) حكومة تصريف الإعمال التي ستنتهي ولايتها في 2 / 3 / 2020 بعد كل التمديدات ، فان أعضاء من اللجنة المالية في مجلس النواب ابدوا ممانعتهم في تمرير هذه المادة فيما لو وردت في مشروع الموازنة عند إحالته لمجلس النواب ، وبعيدا عن ( التعاطف ) مع الموظفين الذين ابتلى بعضهم بالقانون 26 لسنة 2019 وهو قانون التعديل الأول لقانون التقاعد رقم 9 لسنة 2014 الذي اخرج ربع مليون موظف بين ليلة وضحاها رغما عن رغباتهم بعد تخفيض السن التقاعدي بناءا على اجتهادات ، فان تجميد صرف العلاوات يحتاج إلى تشريع خارج قانون الموازنة لأنه قد يعد عقوبة مقننة لم ينص عليها قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل ، كما انه يتقاطع مع قانون سلم رواتب الموظفين رقم 22 لسنة 2008 الذي حدد أسس استحقاق وصرف العلاوات والترفيعات وسلم الدرجات للموظفين ، وقانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل الذي حدد حقوق وواجبات الموظف ومنها حقه في العلاوات والترفيعات عند استيفائه لشروط منحها واستحقاقها وصرفها ، وغيرها من القوانين الخاصة والعامة ذات العلاقة بالموظفين ، وان من حق الدولة إن تتخذ إجراءات لتسيير أمورها وتنظيم مواردها بما يتوافق مع مبادئ الدستور وان لا يتقطع مع التشريعات السائدة ، وقوانين الموازنة ليس الهدف من صياغتها الترقيع واستهداف فئات محددة على حسابات الاستحقاق وإنما لتحقيق العدالة والتوازن في توزيع الموارد لتحقيق الرفاهية قدر المستطاع ، ونود التذكير بان ما ورد في توصيات او مقترحات اللجنة هو التجميد وهو تعبير وهو تعبير يناقض طبيعة العلاقة التعاقدية بين الموظف والجهاز الإداري ، وكما هو معروف فان التجميد يلغي كل أشكال وحقوق الاستحقاق لأنه يعني التعسف الضمني ، كما إن التجميد يمتد أثره لأمد غير معلوم لان قوانين الموازنة تستنسخ عاما بعد عام ، فمن الناحية النظرية أنها لمدة عام ولكن بعض موادها قد تتكرر كل عام كضريبة الاتصالات على كارتات الموبايل والانترنيت التي بدأت بموازنة 2015 ولا تزال سارية رغم عدم وجود قانون للموازنة اليوم ، والتجميد قد يؤدي لإيقاف زيادة الموظفين من خلال العلاوات والترفيعات التي يعولون عليها في مواجهة التضخم ومصاعب الحياة وتعد حافزهم لعدم التقاعس وتدفعهم للتقدم الوظيفي ففي التجميد يتساوى المجتهد مع غيره في التقييم ، مما يعني أن التوصية لم تأتي بكامل المعنى لكي تكون متكاملة من حيث الموازنة بين الحقوق والواجبات ، وهناك من يعتقد إن إجراءات من هذا النوع ربما تشكل دافعا للبعض لممارسة الفساد عندما يجدوه المسوغ لتعويض ما خسروه من دخل مشروع ، ونتمنى لمن يعنيهم الأمر إعادة دراسة المقترح من حيث جدواه الاقتصادية وما سيترتب عليه من آثار اجتماعية ونفسية من حيث الرضا والولاء الوظيفي والمواطنة وحب العمل والوقاية الذاتية من الفساد