22 نوفمبر، 2024 7:05 ص
Search
Close this search box.

تجلي الاصنام

ليس العنوان معاكس لما أراده نيتشه بكتابه افول الاصنام وإنما هو واقع نعيشه ونتلمسه بكل مواقفنا وحياتنا .ومن التاريخ نبدأ حيث تنقل لنا كتبه بأن الاسكندر حين فتح بلاد الشرق وخضعت له كل البلاد ،تقدمت له الناس تعلن الولاء والطاعه للحاكم الجديد بأسلوبها في الولاء لطغاتها السجود للحاكم والخضوع له. فتعجب من هذا الامرالاسكندرإلا ان الامر اعجبه فيما بعد، فأمر ان  يكون السجود تعبيراً عن الحب والولاء والطاعه له. فقرر الاسكندر ان يعمم هذا الامر على قادته وجيشه إلا انه واجهه معارضة شديده بسببها قام بقتل البعض من قادته وجيشه لكن شده الاعتراض وعدم قبولهم باللسجود له حيث كاد الامر ان يؤدي الى فتنة كبرى لان الاغلبية لم تستجيب له .فقرر الاسكندرالتراجع عن قراره تجاه جيشه وقادته وشعبه بالسجود له. الاعتراض كان من صميم ثقافه شعب يرفض ان يصنم الحاكم او يؤلهه .الصنمية أو التصنيم او صناعة الصنم : تعرف بأنها نوع من إسباغ أو اضفاء القداسة على البشر أو الاشياء في جانب حياتي معين .حيث يعتبر ايريك فروم العالم النفساني الشهير أول من قدم مفهوم الصنمية او صناعة الصنم نفسيا . يرى فروم ان الفرد الذي يصنم  الحاكم او اي شخص يسقط أكمل ما عنده من صفات على صنمة ويفقر ذاته حيث يحقر نفسه ويشعرها بالدونيه دوما تجاه عظمة وقداسة المصنم .
ثم يطرح فروم سؤلا جوهرياً:هل لدينا طوطمية اي عباده صنم في حضارتنا الحديثة أم انقرضت فكرة صناعة الاصنام او العبادة الطوطمية؟ يجيب على ذلك بنعم لم تنقرض لان اي  شخص يكرس نفسه تكريسا تاماً من اجل دولة او حزب سياسي او شخص يضفي عليه صفات الالهه ويجعل من العلم او اي شعار يرمز لجماعته رمزاً مقدساً هو يتعبد عبادة طوطمية .وإذا اردت ان تعرف كيف تمتلك النظم الاستبدادية عقول الملايين لاحظ النزعه الصنمية لدى هذا الانظمة والنزعه الدينية التي تتسم بها وهذا التزاوج العجيب بين الطغاة ونزعاتهم الدينية او التصنيم لمعتقداتهم الدينية وغير الدينية.ولا تقتصر عمليه اتباع الصنم او التصنيم في المجال السياسي والديني فقط .إذ يُقدم اريك فروم مجموعة من الوان او اشكال التصنيم التي تشتهر بكل مجتمع أبرزها :صنمية الاسلاف والتي تقوم على احترام وتبجيل أفراد العائله لأسلافهم وتقديسهم والنظره الكبيره لهم .كذلك صنمية السلع والبضائع نتيجة الثورة الصناعية والنظام الرأسمالي الذي جعل الانسان نهم لشراء واقتناء الاشياء والتي يتصور بانها تحقق له اشباع لحاجاته وتحقق له الاستقرار والامن مما يجعله يقوم بعمليه شراء وبيع غير طبيعيه.ثم صنمية العلم والتي لا تختلف في جوهرها عن صنمية الدين اي الاعتقاد واليقين بصدق وصحة البحوث التجريبية ودقتها وتصنيم العلوم والمعارف والاعتقاد بأنها قادرة على ان تهب الانسان السعادة المطلقة وان تقدم الحلول لكل المشاكل والقضايا التي تعاني منها البشرية . صنمية الفكر وصنمية الحكمة والمعرفه حيث ان إعتقاد الانسان انه اذ امعن التفكير استطاع الوصول الى استنتاج دقيق وصحيح وان كل ما يذاع ويقدم هو نتيجه تفكيره ومداركه وهذا من اصنام المثقفين والمفكرين الذين يعتقدون بصدق ودقة افكارهم وتأليهها.وأخيراً تصنيم الفكرة حين تحولها الى عقيدة جامده لتصبح عبئا على العقل تشوش التفكير وتحد من روح الابداع  تقتل التجديد حيث تتحول هذا الفكره الى صنم غير قابل للنقد التقيم والتصحيح ويجب اتباعها والتمسك بها، أعتبر فروم الفكرة الجامده فكرة لا عقلانية تتحكم بسلوك الفرد . صناعة الصنم والطغاه من اخطر الظواهر الاجتماعيه التي ابتلينا بها واصبحت صناعة الطغاه لا تقتصر على الحكام فقط بل في كل المجالات الرياضة الفن الادب الثقافه والدين .الطغاة صناعة بشرية من يطيل وجودهم ويصنعهم هم من يقبلون بهم وينحنون لهم .والاخطر هي الثقافة الاجتماعية التي تطالب بدور واهمية الطغاة واننا شعوب لا نستحق إلا الطغاة .هذا العوامل تصنع من اصغر انسان طاغية لانه يتربى بوسط ينمي ويدافع ويمدح العنف والرذيلة .في حين المجتمعات التي حكمها الطغاة ومارست صناعة الاصنام  وضعت خطوات مهمة لمنع ظهور الصنمية  واجتثاثها والحذر منها دوما .من خلال التعليم ومناهج التربية من خلال التأكيد وتدريس مناهج الديمقراطية وبث روح التسامح داخل المجتمع واضفاء الاهمية على العمل المشترك والاهم خلق روح الجماعه داخل المجتمع . والاهتمام بالاعلام ودوره في التحذير من الطغاة واثرهم على حياة الناس والمجتمع واعداد البرامج الهادفة والتثقيف الاعلامي المستمر لكل ظاهرة تمثل خطر على السلم الاجتماعي ، كذلك تشريع القوانين التي تحد من  الفساد داخل الطبقة الحاكمة السياسية ومراقبتهم بصوره جيدة من خلال اقامة مؤسسات حكومية وظيفتها الحد من الفساد والاستبداد دخل الحكومات. وحتى الطبقات الدينية والاجتماعية الاخرى كان دور المراقبة فاعل واساسي لما لها من دور ايضا في عملية صناعه الطغاة . المراقبه من قبل الشعوب والمؤسسات المجتمعية والاعلام  له دور كبير في الحد من ظاهرة صناعة الطغاة وتصنيم الاشخاص .الشعوب الحية هي الشعوب التي تختار بكرامة ولا تقبل الذل والخضوع وتقاوم الظلم والاستبداد ولا تخلقه وتشكو منه .لذلك الحكمة تقول ( كما تكونون يولى عليكم) .
ومضة:
الإيمان المطلق يفسد إفسادا مؤكدا مثله مثل القوة المطلقة.            إريك هوفر

أحدث المقالات