23 ديسمبر، 2024 11:12 ص

المفكرون مثلهم مثل سائر الناس فيهم الشجاع والجبان , وفيهم المتجرد والانتهازي , وكذلك المتحدي والمستسلم.

وانا لا اوافق على وصف المفكر العربي المعاصر  بالجبن والانتهازية والاستسلام الا اذا كنا نقصد من وراء ذلك ان نقول ان الانسان العربي المعاصر جبان وانتهازي ومستسلم …. حينئذ اقول ان المسألة فيها نظر .. ! .

ويحسن بنا او لا ان نحدد مانراه من وقوف المفكر في وجه السلطة المستبدة .أيعني ذلك ان يقف الوقوف الجسدي بقوة السلاح ؟ انه حينذاك يكون محاربآ مفكرآ . وانا لا أنصح المفكرين بأتخاذ هذه الوسيلة لانهم ,إذا لم يقعوا شهداء , فأن العقلية المحاربة لاتلبث ان تطغى على تفكيرهم فيتحولون من دعاة عدالة الى جلادين , ومن مناضلين من اجل الحرية إلى خانقي حريات , حين تنتقل مقاليد السلطة الى ايديهم . تأمل في سيرة لينين وستالين قبل الثورة الشيوعية وبعدها , وفي تحول كاسترو الى الحكم الاستبدادي بعد ان تطهرت كوبا من باتيستا وطغمته. اذن فالميدان الفكري هو ميدان المفكر في نضاله ضد السلطة المستبدة او في دعواته الى مايرى فيه الخير والصلاح . هكذا فعل سقراط, وكذلك كان شأن فولتير وجان جاك روسو .. واذا كانت اثينا حكمت على سقراط بالموت , فانها لم تفعل ذلك لان سقراط حمل السلاح ضدها بل لانه في احاديثه السليمة الهادئة .كان يطور افكار الشبيبة تطويرآ خشيت منه السلطات القائمة على سلطانها. ولعلك تقول اين المفكر العربي المعاصر الذي لاقى حتفه في سببل افكاره كما لاقاه سقراط؟ فأقول ان للموت اشكالآ جسدية وروحية متعددة تسأل عنها المنافي والمعتقلات والمقابر في كل بلد عربي حكمته سلطة مستبدة في يوم من الايام ولا نزال نشهد تلك الصور.

ان مخاطر وقوف المفكر امام السلطة المستبدة تأخذ في هذا العصر ابعادآ غير مألوفة في العصور الفائتة أو في البلاد التي تسود فيها الاعراف الديمقراطية يستطيع برتراندرسل وجان بول سارتر وفرانسوا مورياك ان يتحدوا سلطات بلادهم وقوانينها فيما يرونه مخالفآ لمعتقداتهم الفكرية فتطبق بحقهم الغرامات أحيانآ , ويضطرون السلطات أحيانآ الى التراجع عن قراراتها . ولكن السلطة المستبدة في البلد تملك فيه وسائل التعبير والاعلام والاقناع وكل القوى , قادرة على ان تجرد المفكر لا من حياته او حريته وحدهما بل على تجريده من اعتباره الفكري والوطني والخلقي . عداعن اساليب الاقبية المتفننة في التعذيب الجسدي والروحي وفي تمزيق الكرامة والشعور الانساني .ومع ذلك هل خلت تلك الاقبية في بلدان السلطات المستبدة من نزلائها،وهل عدم هؤلاء النزلاء افرادآ،مهما بلغوا من القلة،كان سبب محنتهم مقال في جريدة أو راي في مجلس أو بيت شعر في مناسبة؟بقي أن لاتحسب في حساب المفكرين هؤلاء الذين يحبرون المقالات وينشرون الدراسات ويتحدثون ويخطبون في تأييد السلطات المستبدة وفي فلسفة تصرفاتها وفي صبغ حماقاتها أو جرائمها بالصبغة الفكرية.في رايي ان هؤلاء مرتزقة فكر لامفكرون ،هم يبيعون خدمات افكارهم وثقافتهم كما يبيع الجنود المرتزقة خدمات زنودهم المسلحة .قد يوثر المفكر السلامة فينأى بنفسه عن مواضع التهم ومواطن الخطر ،مبتعدآعن ساحة المعركة،فنلتمس له العذر .أما الذي يضع فكره في خدمة الطاغية المستبد فليس من الفكر في شي ،بل هو عار على الفكر …