23 ديسمبر، 2024 1:35 م

تجليات المكان كمتخيل في نصوص جاسم عاصي( أخر الرؤيا ) أنموذجا

تجليات المكان كمتخيل في نصوص جاسم عاصي( أخر الرؤيا ) أنموذجا

أن مفهوم المكان في النصوص الادبيه يحمل عددآ كبيرآ من الدلالات فهو حاضر في أشكال التعبير الوجداني والذاتي في ألاساطير والملاحم وحكايات التراث ومن ضمنها الشعر والقصه والروايه وذلك لان ألانسان بشكله الوجودي لايستطيع التحرر من سطو ة المكان حتى في ألكشف عن حالات التجريد ,فهو حاضن للوجود الانساني وشرطه ألاساسي .ومن الكتب المميزه التي تناولت المكان بطريقه جديده كتاب جاستون باشلار ((جماليات المكان)) حيث يتناول المكان بشكل أبداعي متميز احدث ثوره لاتقل أهميه عن ثورة ( كانت ) المتمثله في نظرية المعرفه .ليغيرقراتنا للمكان كمساحه للسرد والتشكيل رغم أنه تناول المكان بشكل مجرد ( جمالي ) متناسيا المكان ثقافيا إن العمل الابداعي ألادبي حين يفتقد المكانية يتناسى خصوصيته وجذوره فالعمل ألأدبي يشق طريقه الى العالمية من خلال هويه قوميه بارزه وقويه عبر المكانيه ,تلك المنطقه ألاكثر مشاكسه ونداوه في الادب .أن قراءتي للمكان كمتخيل في نصوص ( جاسم عاصي ) لاتعتمد على مناهج محدده بل أحاول المزاوجة بين أكثر من منهج لان المكان عنده ( توالدي ) أي له القدره على خلق رموز ودلالات جديده فهو يتتبع دلالة المكان ثقافيابوصفه حاملا لإمكانية التأويل وفهم النص ومجال قابل للاستعاره بطريقة ربط النص بجذوره المكانيه وستثمار حقول معرفيه أخرى كالتاريخ البشري والفلكلوري وألاثنوغرافي أي نص مفتوح قادر على ملء الفراغات البيضاء ,ولا يختزل المكان في ربطه بالجانب الفيزيقي وتوقفه على الشكل البصري أي ( جماليا محض ) أو كمساحه للسرد فقط بل يتناوله كطبيعة وفضاء من خلال التغلغل في خصائصه الجغرافيه وأحالات معرفيه ووجدانيه تسهم في تحقيق الهويه الفرديه وألاجتماعيه ,فللمكان طاقه تعمق العلاقات ألانسانيه وتعمل في رفد الواقع الثقافي .أن مجموعته القصصية الموسومة ( أخر الرؤيا ) تولد للمتلقي نطباع أن مايميزها ويوحدها هي وصفها للمكان كبنيه موحده .فهو يحاول المزاوجه بين اللاوعي في الوعي أي ترحيل اللاوعي وجعله في منطقة الوعي حيث يستدعي المكان /العالم القصصي: أنه يقول في بداية القصة(كنت أتخيل الصحراء مثل إناء كبير مقلوب) وهنا دلاله على غموض الصحراء ونغلقها على خرافتيها فوصف المكان يستدعي عند السارد ثورة ألاواعي المترسب في جذورنا الثقافية المكبوتة ؛لتتشكل كصور من خلال ثيمات ذهنيه جاهزه لها أثرها في خلق بنيات العمل القصصي لاشعوريا فترتبط البنيه با لنص أرتباطآ شرطيا وبالمكان وجوديا ,فقدرته على المزاوجه بين جذورناالثقافيه الموغله في ألاسطوريه والشفاهيه تبين قدرة الكاتب التعبيريه عن الواقعي محاولا العثور على بنى عميقه للمكان .فنصوصه تتشكل عبر تتبع عنصر واحد هو الخلود فيروي في النهاية حلم رجل همه البحث عن الماء/الخلود في مكان صحراوي جاف لكن الحلم ينتهي بخيبة أمل للحصول على الماء/الخلود فهو يقول :في نهاية القصة(عدت إلى ساحة البيت وقفت تحت المطر لأغتسل كي أزيد اغتسال الشمس بالمطر وطرد كل آثامي )وهنا دلالة الماء أي الحياة/الخلود تظهرقدرت الكاتب في استثماره أسطورة الخلود بشكل جيد مستنطقان رأس المال الرمزي الذي يؤطر العقل إلا جتماعي. لذلك تجد التاريخ والتراث أصبحا من علامات هذه النصوص فشخوصه دأمان على حافت الحيات ,وممكنات الحكي والسرد عنده تمر عبر عوالم شديدة الخصوصيه من خلال تشكل أجسادهم وألوانهم ومدى تأثرهم في المكان الذي ينتمون أليه . يتوقف السرد عبر السارد وحده بطريقة أستخدام الحكواتي في التراث الشعبي، ساعده ذلك على أستثمار الجانب الرمزي والاسطوري ثقافياوجتماعيا ,فصراع شخوصه صراع وجودي مع قوى الطبيعه أو صراع مع المدينة التي تهددها آليات القمع والسلطة والتابوت والقيم وألا عراف ,فمرجعية نصوصه ترتبط بالمجتمع وعوالمه المكانيه الحتميه ذلك أن نصوصه تتشكل في تجربتها على أستقراء وستنطاق القديم والموروث من داخل المكان ,فختياره لقرية ( لقيط) وهي قرية صحراويه بدويه تكاد الحيا ة تنعدم فيها لكنه يجدها نوع من الضاله المنشوده عثر فيها على ماتصبو أليه نفسه من خلال أمتلاك الخصوصيه والهويه .أن الصحراء عند الكاتب وعاء ثقافي وعالم شديد ألانحياز الى عزلته ومكان غامض ملتبس فليست هي خلاء واسع مترامي ألاطراف خالي من الحياة وإنما هي عوالم جماليه وثقافيه لها حضورها في وعي الكاتب فا اختياره للصحراء يعكس جانب أن المدينة لم تعد الرحم القصصي أوالمكان الوحيد الذي يجتاح وعي الكاتب فالمدينه في قصص (جاسم عاصي )أخذت تتحول إلى هامش.وهنا يجب التنويه قبل الختام على تاكيد اهمية المكان في بناء النص و ذلك ليس لحاجه التأكيد فحسب بقدر ما يحتاج الى بحث وتحليل وستنطاق لكل ما هو هامشي .