نحن نعيش عصر جاهلية جديدة منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق في العراق .. محاصصة طائفية جاءت بأجهل جهلاء السياسة الى الحكم !. صراعات مذهبية أنتجت عشرات العصابات والميليشيات السائبة !. عملية ديمقراطية كسيحة خلقت زعامات مزيفة من حثالات المجتمع !.
عاد العراق الى زمن الجاهلية الأولى بدل أن ينطلق نحو آفاق التقدم والرقي بعد زوال شبح الدكتاتورية المقيتة التي تحكمت بنصف قرن من تاريخ العراق وصبغته بالدماء والدموع !.
فحين يتوجه ملايين البشر الى صناديق الإقتراع ليصوتوا لمرشح تباركه مرجعية دينية ، فهذا هو الجهل الذي ينخر جسد العراق ، مهد الحضارة البشرية .
حين ترفع صور ملالي إيران في شوارع ابو نؤاس والمنصور بدل صورة الملك فيصل ونوري السعيد وعبدالرحمن عارف وعبدالرحمن البزاز ، فإن مقلدوهم سوف يتحركون بدراجاتهم النارية لاصطياد المثقفين والكتاب وكل من له رأي حر وشريف .
حين يرفع إسم عادل سليم عن إحدى شوارع أربيل ، لا تملك ألا أن تبصق على السلطة التي لاتكرم مناضليها السابقين .
حينما يسرق رؤوساء الكتل السياسية المليارات من ميزانية الدولة ، فإن رأس أي معارض لهم لايساوي سوى حفنة من الدولارات .
حين تتحول كافيتريات البرلمان الى مكان لعقد الصفقات وشراء الذمم وتوزير الفاسدين واللصوص ، فما عليك الا أن تبول على اللافتة التي يرفعونها أمام بناية ” مجلس النواب ” !.
نحن نعيش في زمن الجاهلية الثانية ، لامكان للفكر والابداع .. لا حرية للمفكر والكاتب والصحفي ، سيفان مسلطان على رقاب المبدعين ، سيف الارهاب الولائي وسيف السلطة الطائفية الغاشمة ..
كان العراق ينجب خيرة العقول البشرية من العلماء والشعراء والأدباء والمفكرين والمؤرخين . يظهر فيه بين حين وحين عشرات العلماء العباقرة في الكيمياء والجبر والهندسة والطب والفلك .واليوم تستأثر به حفنة من سياسيين مشعوذين و قادة كتائب وعصائب وجيوش خراسان وطبرستان وخوزستان .
بالأمس أحرق الجهال الحلاج ، وقطعوا ابن المقفع الى أشلاء ، حبسوا أبو حنيفة النعمان وضربوا ابن جرير الطبري بالمحابر . قتلوا الملك فيصل الثاني وسحلوا جثة باني دولتهم نوري السعيد ، وإغتالوا كريم العراق ، نفوا الجواهري وشردوا البياتي ، طردوا فؤاد سالم وناهدة الرماح . إغتالوا سردشت عثمان وكاوة كرمياني ، وتتابع مسلسل الغدر حتى وصلت أياديهم الملطخة بالدماء الى مثقف العراق الأول هشام الهاشمي . ألا تبت يداهم ..
حين سألوا المجرم الذي قتل المفكر فرج فودة هل قرأت كتبه ، أجاب ” أنا لا أعرف القراءة والكتابة ” ؟! . وحين طعن شابان صاحب نوبل الآداب نجيب محفوظ كانت حجتهم أنه كافر بنشره رواية ” أولاد حارتنا ” رغم أن لا أحد منهما قد قرأ الرواية أصلا !.
أتذكر قولا للشاعر الكبير نزار قباني في إحدى مقالاته بالثمانينات حين قال ” ان المثقف العربي يجلس فوق قنبلة موقوتة لايعرف متى ستنفجر به “.
لن يكون هشام الهاشمي أول وآخر شهيد في قافلة شهداء الرأي ، بل سوف يلحق به الكثيرون غيره مادام العراق يحكمه الجهلاء وشراذم الناس ، فإذا لم تتحرك الدولة لتضرب بالحديد والنار تلك الأيادي الخبيثة التي تريد إرجاع العراق الى زمن الجاهلية الأولى ، فإن مصيرنا جميعا سيكون الفناء بيد كلاب الميليشيات السائبة ..