23 ديسمبر، 2024 10:35 ص

تاريخ تسرب الأفكار العَلمانية إلى كُردستان/ج14

تاريخ تسرب الأفكار العَلمانية إلى كُردستان/ج14

والحزب الاخر الرئيسي في كردستان تركيا هو حزب العمال الكردستاني يعرف اختصاراً ب ( PKK) أو (كاركه ر- باللغة الكردية)، وهو حزب منبثق من منظمة تركية شيوعية كانت تعمل في سبعينيات القرن العشرين باسم منظمة الشباب الثوري. وقد أسس الحزب عبد الله أوجلان الذي كان معروفا شعبيا باسم (آبو – العم)، مع بعض زملائه عام 1978م عندما كان طالباً في كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة، حيث أحس بمدى الظلم والاجحاف الذي كان الشعب الكردي يعانيه في تركيا على يد الانظمة العلمانية التي تعاقبت على حكم تركيا بدأً من حكم كمال أتاتورك ومروراً بحكم عصمت إينونو، وانتهاءً بنظام كنعان أفرين وغيره.
وقد أعلن هذا الحزب النضال الشعبي ابتداءً من عام 1984م بحرب الانصار ضد نظام الرئيس التركي الجنرال (كنعان أفرين)، إنطلاقاً من قواعده في سوريا والعراق،.
ويؤكد الحزب في برنامجه الداخلي على أن الماركسية اللينينية أيديولوجيته في العمل، وهو يهدف إلى إنشاء دولة كردية ديمقراطية مستقلة في الشرق الأوسط، وكانت إستراتيجيته ترتكز على استعمال العنف وتصعيده في مواجهة عنف القوات التركية؛ مما خلق هوة واسعة بينه وبين الأحزاب الكردية الأخرى. وقد دعم هذا الحزب بكل قوة الرئيس السوري السابق (حافظ الاسد) وأنشأ له مقرات في سهل البقاع اللبناني حيث كان يتواجد المقر الرئيسي لعبدالله اوجلان فيها، كما كانت له قواعد داخل الاراضي السورية، ومنها كان ينطلق لشن هجمات ضد النظام التركي. ولكن بعد القبض على زعيمه عبد الله أوجلان عام 1999م بمؤامرة دولية أوقف الحزب أنشطته المسلحة بدعوة من أوجلان الذي أعلن عن مبادرة سلام تتضمن الحوار مع أنقرة، غير أنه غير اسمه إلى “مؤتمر كردستان الحرية والديمقراطية”، ثم عاد عام 2005م إلى النشاطات المسلحة متخذا من مناطق قنديل وغيرها في كردستان العراق مأوى له. وللحزب نفوذ سياسي وعسكري قوي في المناطق الحدودية مع العراق وسوريا، كما يحظى بنفوذ قوي لدى العلويين من الكرد في منطقة تونجلي(= درسيم).
ولهذا الحزب الماركسي أجنحة في أجزاء كردستان الاخرى في تركيا: حزب السلام والديمقراطية منذ عام 2008م، في ايران(= حزب الحياة الحرة الكردستاني)، وفي والعراق: حزب الحل الديمقراطي الكردستاني، وفي سوريا بأسماء مختلفة، لاشك أن أقواها هو حزب(الاتحاد الديمقراطي الكردستاني) المعروف باختصار (به يه ده) الذي كان يسيطر على الشمال والشمال الشرقي من سوريا برمته، قبل أن تقوم القوات التركية بعدة عمليات عسكرية، حيث سيطروا على منطقة عفرين ومناطق واسعة على الحدود السورية – التركية بضمنها مدن: رأس العين – سروكاني، وتل الابيض وغيرها من المدن.
ولكلِّ حزبٍ فصائله العسكريَّة الميدانيَّة التابعة له. فللعمال الكردستاني قوَّات (الغريلا) في جبال قنديل في كردستان العراق، يُضاف إليها الفرع السوريّ، المُسمَّى حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، والذي تتبعُ له قوَّات وحدات الحماية الشعبيَّة الكرديَّة (YPG )، ووحدات حماية المرأة (YPJ).
أمَّا الكتلة الشعبيَّة الأساسيَّة لحزب العمال الكردستاني في سورية وتركيا وفق الباحث (دارا عبدالله:” فهم عملياً:” المسحوقون والفقراء والمهمَّشون والأيدي العاملة غير النوعيّة (“البروليتاريا الرثّة” حسب الماويين). أوضاع التهميش والحرمان التي مارستها الحكومات المتعاقبة في المناطق ذات الوجود الكردي في سورية وتركيا مع القمع السياسي والثقافي، شكَّلت مُركّبَ قوميَّة- طبقة، يحتوي على خزَّان خصب من الشباب الذين يسهل حشدهم وتعبئتهم، من تنظيم سياسي أيديولوجي شعبويّ”.
يتبنى الحزب التوجه الماركسي اللينيني، ومن أهدافه الجوهرية التي أعلن عنها مع نشأته إقامة دولة كردستان الكبرى المستقلة، إلا أنه تراجع عن مطلبه بالاستقلال لاحقاً، وصار يدعو إلى حصول الأكراد على الحكم الذاتي في تركيا. ورغم توجهه اليساري فإنه لم يحصل، بحسب مصادره الخاصة، على تمويل من المنظومة الاشتراكية، بل اعتمد في تمويل عملياته وإعداد مقاتليه على مصادره الخاصة، فيما تتهمه الأوساط التركية بأن تمويله مشبوه وغير شرعي.
ويعلق الكاتب الكردي السوري (هوشنك أوسى) على النهج الماركس للحزب بالقول:” وحين كانت الأنظمة الشيوعيّة – الاشتراكيّة تنهار، كان الكردستاني يقول: “حزبنا الممثّل الحقيقي للاشتراكيّة العلميّة. وسنحيي الاشتراكيّة”. وعطفاً على ذلك، الاسم الحركي: “ماسا” كان كان دراجاً بين الكوادر النسائيّة في الحزب، وهو الأحرف الأول من: “ماركس، أنجلس، لينين، ستالين، آبو”.
وبخصوص كردستان الشرقية(= ايران) فهناك الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني وهو حزب يساري تأسس في 16آب/اغسطس عام1945م متطوراً من جمعية زياني كورد(= جمعية الانبعاث الكردي) ذي التوجه الماركسي، وكانت غالبية قياداته تنتمي الى البرجوازية الصغيرة ذات النفس اليساري الماركسي، لقي دعماً من الاتحاد السوفيتي نظراً لهيمنته على مناطق أذربيجان وكردستان خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وكان لهذا الحزب دور رئيسي في تأسيس جمهورية مهاباد الكردية بقيادة القاضي محمد عام1946م، والتي سقطت خلال أقل من سنة بعد توقف الدعم السوفيتي المادي والمعنوي نتيجة انسحابهم من شمال ايران بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وتوالت على قيادة الحزب شخصيات يسارية مهمة من أبرزهم (الدكتور عبدالرحمن قاسملو) الذي اغتيل على يد المخابرات الايرانية في الثالث عشر من شهر تموز/يوليو عام 1989م في فيينا عاصمة النمسا. وكان قد انشق تيار من هذا الحزب تحت اسم(الكومله) أي عصبة الكادحين عام1967م بقيادة (الشيخ عزالدين سليم) وهو تنظيم ماركسي وبعبارة أخرى هو الفرع الكردستاني للحزب الشيوعي الإيراني (= تودة)، وهو ينحو نحو العنف والقتال، وتحاول السلطات الايرانية الحد من نشاطه عبر اتهام نشطائه بالعنصرية(= العرقية – القومية، والجاهلية= الماركسية ومعاداة الاسلام)، عن طريق اعدام كوادره ونشطائه.
وفي الآونة الاخيرة ظهر منافس قوي لهما وهو (حزب الحياة الحرة الكردستاني)، أي جناح حزب العمال الكردستاني الايراني، وهو تنظيم ماركسي متشدد على غرار تنظيم الحزب الام العمال الكردستاني (pkk).
2- الماركسيون: يعتبر الحزب الشيوعي العراقي من أقدم الاحزاب السياسية العراقية فقد تأسس في عام 1934م، وينص المنهاج الداخلي له ، وتحديداً المادة الخامسة التي فيها دعوة صريحة ومكشوفة لرفض الايمان بالمعتقدات الدينية، في بلد كالعراق يعتز بذلك ويتمسك به، وهذا نصها:” إن الحزب الشيوعي العراقي، حزب يدين بالماركسية – الينينية- وأهدافه البعيدة هي عين أهداف الأحزاب الشيوعية العالمية، كما بينها معلمو الاشتراكية العلمية: مركس – أنجلز_ لينين – ستالين، وإن نظرته الى الكون وإلى جميع القضايا الاجتماعية مادية ديالكتيكية مستقاة من تلك التعاليم”.
للحزب الشيوعي تأثير كبير على البنية السياسية والفكرية في كردستان، حيث كانت له واجهات حزبية عديدة في كردستان (= حزب شورش وغيرها)، وله لجنة اقليم خاصة بكردستان، وكانت جبال كردستان ملاذ آمن له كلما احتاج الحزب الى ذلك، لا سيما بعد حركة 8 شباط 1963، وفي الاعوام 1979-1991م بعد انهيار الجبهة الوطنية التي كانت تضمهم مع حزب البعث منذ عام1973 الى 1979م، حيث لولا دعم الاحزاب الكردية وخاصة البارتي أيام الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني، لكانت السلطة العراقية قد أصابت منهم مقتلةً عظيمة.
ولأن الحزب الشيوعي حزب أممي فقد انضم الكثير من الكرد الى صفوفه، دون الاحزاب العراقية الاخرى سواءً منها الوطنية أو المنضوية تحت لواء القومية العربية، التي كانوا عازفين عن الدخول فيها إلا ما ندر؛ لذلك كان للكرد الشيوعيين مركز ثقل كبير داخل مكاتب الحزب وقيادته، فقد وصل الى سدة القيادة – سكرتارية اللجنة المركزية كل من بهاء الدين نوري من أهالي منطقة السليمانية، وحميد عثمان من أربيل، بالاضافة الى (عزيز محمد) سكرتير الحزب لسنوات طوال1964-1993م، بالاضافة الى ذلك كان من بينهم عدد كبير من أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي، لكن يبدو أن الحزب ارتأى انه من الافضل مراعاة الخصوصية الكردية فتشكل من ثَم الحزب الشيوعي الكردستاني عام 1992م بعيد إنتفاضة آذار عام1991م . وكلا الحزبين لهما وجود ضئيل وهامشي في الساحة السياسية العراقية عامة والكردية خاصة، وقد كان الحزب الشيوعي دوما ضعيف التاثير في كردستان بسبب من الخلفية اللادينية للحزب وبسبب من عدم تبنيه لطروحات قومية على أقل تقدير في عقدي الثلاثينات والاربعينات من القرن العشرين، حيث كان يعد الكرد كأقلية قومية، ولكن بعد تبوأ اثنين من الكرد قيادة الحزب حدث تغيير في نظرة الحزب الشيوعي الى الكرد وحقوقهم السياسية في عقد الخمسينات من القرن العشرين .
ومن جانب آخر فإن الحزب الشيوعي العراقي قد انتابه الضعف إثر انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، وانسحب هذا الامر على الحزب الشيوعي الكردستاني، الذي أصبح فيما عالة على الاحزاب الكردية الرئيسية من ناحية التمويل والدعم، وكان له صوت اعلامي بارز، وعلى أية حال فإن للشيوعية تأثير مباشر على البنية السياسية والفكرية والعقائدية لغالبية الاحزاب الكردية برمتها ما عدا الاسلامية.
كما يجب الاشارة الى الحزب الشيوعي السوري، حيث كان قائده (خالد بكداش) من أصول كردية ، لذا كان الحزبان الشيوعيان العراقي والسوري يسميان بأحزاب الاقليات من منظور الاسلاميين والقوميين العرب، لكثرة أعداد الكرد والكلدان والارمن والسريان والآشوريين في صفوفه.
بالاضافة الى تيار ماركسي متطرف (= الحزب الشيوعي العمالي الكردستاني) يتبنى طروحات طفولية بعيدة عن الواقع، ومن ثم ليست له شعبية على أي مستوى حتى بين باقى الماركسيين .
3- اليساريون: وقد كان هناك في ثمانينات القرن العشرين خصوصا تيار اشتراكي غير ماركسي، مراعاة للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع الكردي(= الاسلام) وكذلك مسايرة لموضة العصر الاشتراكية، إلا انه ما لبث ان تلاشى خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفييتى، والحقيقة ان التيار اليساري لم يكن لها في السابق من شعبية رغم انها استطاعت كسب قطاع من المثقفين، اما الان فهي تعاني من تقهقر كبير، ويمثلهم الآن الحزب الاشتراكي الكردستاني(= حسك)، ومركز ثقله الرئيسي يتركز في جنوب شرق السليمانية حيث معقل زعيمه (محمد الحاج محمود).
وهناك حزب يساري آخر يدعى (حزب كادحي كردستان) يؤمن بالاشتراكية العلمية (الماركسية – اللينينية)، وبالربط الجدلي بين النضالين القومي والطبقي في كردستان العراق، وهذا الحزب انشق عن الحركة الاشتراكية الكردستانية وكان يقف على يسارها وانشق عنها بسبب مواقفه القريبة من ايران.