على الرغم من إننا لسنا ممن له الفضل في تاريخ الأمم إلا أنها اعتادت ان تتفاخر بتاريخها . ومدعاة ذلك ان تاريخ الأمة هي مرآة لهويتها وشخصيتها وتنهال من معينها مقوماتها وصفاتها الشخصية ،وعليه فان اي تغيير او تحريف في تاريخ الأمة هي محاولة لتغيير مقوماتها وصفاتها، والتغيير يأتي إما من اجل الإساءة اليها وتشويه سمعتها وطمس هويتها لغايات خبيثة او سرقة جهود الآخرين والانتفاع بها فيحمدوا بما هو ليس لهم فينطبق عليهم قوله تعالى (لاَ تَحْسَبَنَّ ?لَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ?لْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )ال عمران 188 . فكان من الواجب علينا ايجاد وقفة جادة من اجل تثبيت صفحات تاريخنا المعاصر في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها امتنا والتي ستضاف الى صفحات تاريخنا القديم الموسومة بكل معاني الفخر والعزة والكبرياء وان تكون هذه الصفحات بالشكل الذي يواكب روح التضحية والفداء التي تحلى بها ابناء امتنا من اجل الدفاع عن الارض والعرض على تراب هذا الوطن طيلة العقود المنصرمة خاصة بعد الاحتلال البريطاني للعراق وما صاحبته من تطورات وتداعيات أثرت سلبا على شعبنا العراقي بصورة عامة وشعبنا التركماني بصوره خاصة والتي رافقتها تيارات فكرية حاولت بما أوتيت من قوة وتحت تأثير وتشجيع الاحتلال البريطاني من الإساءة الى تاريخ امتنا من اجل فك الارتباط الروحي بين مكونات هذا الشعب الذي عاش موحدا طيلة العديد من القرون الماضية على ارض هذا الوطن.
ومن بين تلك الصفحات الرائعة في تاريخ امتنا المعاصر هي ثورة الـ (قجه قاج) التي انطلقت في الرابع من حزيران سنة 1920 والتي هي اول ثورة وطنية نابعة من بين صفوف أهالي المنطقة ضد الاحتلال البريطاني للعراق سطر فيها ابناء تلعفر بتلاحمهم وتكاتفهم وبأسلحتهم البسيطة أروع معاني البطولة والفداء حيث أرغمت الانكليز بالاستعانة بقواتها المدرعة من الموصل والمناطق المحاذية من اجل إخمادها والقضاء عليها والاقتصاص من أبطالها ومناصريها .هذه الثورة التي جسدت هوية وشخصية وتفكير ابناء هذه المدينة تعرضت للتعريب شانها شان بقية قضايا امتنا فسميت بثورة العشرين بدلا من القجه قاج شانها شان الأحياء والمدن التي استبدلت أسماؤها من حسنكوي والسراي وقنبردره الى اسماء عربية وسرقت عندما صورت وكأنها جزء من ثورة العشرين في المحافظات الجنوبية رغم ان الأولى أقدم من الأخيرة وكأنها حدثت بإيحاءات وتعليمات من خارج المدينة ولم تكن نابعة من صميم ووجدان أهالي المنطقة الرافضين للاحتلال والمعتزين بدينهم وكرامتهم والمتمسكين بتراب الوطن ،وكذلك ألغي معها ذكر أسماء أبطالها ورجالاتها الذين تحملوا مسؤولية التخطيط والإعداد وتنفيذ الثورة وحل محل أسمائهم المدفعي والغلامي والعمري وانقاد الى هذا الراي من كتب عنها من أبناء المنطقة متأثرين بما رواه المؤرخون المحليون الذين مروا على ثورة القجه قاج مر الكرام ولم يكلفوا أنفسهم او تغافلوا متعمدين من التحري عن ماهية هذه الثورة متناسيين ما رواه أبطال الثورة ممن عاصرنا بعضهم وكان لهم شرف المشاركة ومعاصرة الثورة آنذاك. ان تحريف التاريخ وحجب النقاط المضيئة فيها هي إحدى الأساليب الدنيئة لإبعاد الأمة من المرتكزات التي تمدنا بمقومات الاعتزاز بهذا الماضي النفيس وبالتالي قطع الطريق لكل عوامل رفع معنويات هذه الأمة مما تودي الى بث الوهن بين صفوفها والتخلي عن التمسك بقضيتها وهي حلقة من الحلقات العديدة التي تمارس تجاه شعبنا الى يومنا هذا مما يستوجب علينا استنفار كل طاقاتنا من اجل الوقوف بوجه هذه الحلقات التي تعمل على نخر هذه الامة .