23 ديسمبر، 2024 12:51 ص

هي الساعة الثامنة مساءا، حين انهيت وجبة العشاء خاصتي، وتوجهت صوب المحلات المكتظة بالمواطنين، بغية شراء كتيب يملي علي وحشة ليلة تواجدي في احد فنادق المدينة، وضعت يدي اليسرى ملازمة لليمنى وادرتهن حول ظهري وسرت اتصفح وجوه الدكاكين والمحلات، على امل العثور على مكتبة، اتبضع منها بعض الكتب، بحثت جاهداً في شوارع وازقة تلك المدينة الصغيرة، ذات التعداد السكاني الشحيح، انقضت قرابة الساعة، وانا استدل بأصحاب المحلات لعلي اجد ضالتي، “انها بجانب ذلك الحطام” هذا ما اخبرني به العجوز الجالس على مصطبة بقرب احدى المقاهي هناك، ذهبت مسرعا ولكن الوقت قد نفد بالنسبة لصاحب المكتبة، فقد اعلن عن غلق المحل في وقت مبكر بعد غياب الشمس بقليل، عدت ادراجي وانا انُّمْ لنفسي سذاجة الاشخاص المتواجدين بقرب محلات بيع الهاتف الذكي، اما كان لهم الاولى تزين عقولهم ببعض الكتب والافكار بدل انشغالهم بنوع ولون غطاء هواتفهم، ألم يكن جدير بأولئك الفتيات المتجمعات حول الكوزمتك (محل بيع مساحيق التجميل وغيرها)، ان ينمين أذهانهن ببعض القراءات والتنوير، بدل مواد التجميل وماركات الملابس، لا الوم صاحب المكتبة الذي اغلق مكتبته في ساعة مبكرة من الليل، فعزوف الشارع عن القراءة والمطالعة اصبح كانتشار النار في الهشيم.
فعبارة (عزيز القارئ) استبدلت بـ (عزيز المستخدم) او (عزيزي المشترك) على الرغم من الطفرة النوعية التي احدثها الهاتف الذكي، في مجال التكنلوجيا، الذي تغلب على مجال القراءة، ليغدو الاطلاع في مهب الريح، فالشارع العراقي اصبح بالإجمال ينساق الى شاشات الموبايل، ومواقع السوشيال ميديا، ومن تصدر المراتب الاولى من مواقع التواصل الاجتماعي هم اناس لم يغيروا شيء ولم يأتوا بجديد، فتناول وجبة بيتزا في مطعم فاخر من قبل امرأة تظهر بعض مفاتن جسدها، قد يلاقي تفاعل من قبل المستخدمين للأنترنت اكثر بكثير ممَ يطرح نظريات وعلوم قضى اصحابها سنين طوال للوصل اليها، واخراج فكرة من الممكن ان تحدث تغيراً في مجال علمي او معرفي او حتى سياسي.
يتجه اغلب الشباب الى المقاهي والأماكن الترفيهية، بعد يوم عمل شاق، فالكتب والمجالات اضحت لا تثير حفيظة هذه الفئة التي هي بأمس الحاجة للتوجيه العقائدي والسياسي والاجتماعي من غيرها، حيث انهم محط انظار العديد من اجهزة الرصد الخارجية والداخلية، فهؤلاء الشباب يملكون مفاتيح التغير، وسبل النهوض او الانحطاط، ولكن يبقى السؤال المطروح، ما هو سبب عزوف معظم الشباب عن القراءة والمطالعة؟.
الجواب سيمتلك شطرين، الاول: هو ان الهواتف الذكية وتداول الاخبار أول بالأول وبسرعة فائقة مع توفر الانترنت، اغلق باب قراءة الصحف والمجلات اليومية، فلا حاجة لها، وكذلك مواقع التواصل والسوشيال ميديا، تعد شاغل مهم بالنسبة ليس للشباب فقط بل حتى صغار السن ما دون 17 عام، ومن هم اكبر من 35 سنة، وهذا ما اخفى الحواجز وازاح العقبات، عن اقامة علاقات حميمة او صداقات بين الرجل والمرأة بغياب الرقابة من قبل الوالدين، اما الثاني: هو ان الحصول على شهادة في العراق، لم يعد يجدي نفعا، اما مسمى الشهادة فمن الممكن الحصول عليها ببعض الاوراق النقدية، ونحن نرى تزايد عدد المدارس الاهلية – مع مراعاة الرصينة منها- وكذلك الجامعات، لذا بُنية عقول هؤلاء القوم على نسبة القراءة بقدر 25% اما الجزء المتبقي 75% فيتم استخدامه بين اركان شبكة الانترنت والاجهزة الذكية.