بقدر ما كان في المهد العربي ولادة شاعر انتصار للقبيلة بل انتصار للقيم والأرض صار في نفس البلاد ولادة شاعر لا تعني شيئا بل الأدهى موت شاعر لا يعني شيئا الذين يحكمون البلد من وجهة نظرهم السياسية : الشعراء مجرد هوام تحوم حول مصباح نقودهم .
لكن الشاعر لا يفكر بهذه الطريقة المادية , يفكر وفق منظوره الشعري : أن الحياة فرصة للإبداع فما زالت نكهة ومشاهد المربد وعكاظ وهجر وذي مجاز , أسواق العرب المنتشرة على طول الجزيرة العربية[1]. تحبب له حب الوطن مكان السهل والوادي , وحب الشعب مكان القبيلة والعصبة .
وإذا كان البعض يطرق أبواب الخلفاء والإمراء فانه لا يعني أنه يبيع نفسه لهم , فقد كان الحاكم أقل ظلما وتجبرا بحق الناس , أما اليوم هناك قلة كرهت مسح الأكتاف ووقفت بجانب الشعب , خاصة عندما تحتدم القيم بوجه الأطماع وتُعّرش الوطنية على أشلاء المصالح . أحد هؤلاء الشاعر كاظم الحجاج .
تعامل مع القصيدة وفق نهج رسول الأمة حينما قال :
– إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحر .
كاظم الحجاج لا يكتب القصيدة الطويلة بل يعبر عن فكرته بكلمات قصار
– لا تذبحوا الحيوان أقول لأولادي
كلوا بيضته وزبدته وأشربوا حليبه
كي يصير أخاكم بالرضاعة
فكيف به مع الإنسان … يتساءل بغضب دفين وهو يرى القتل المجاني
– كم نُقتل باسم الله ؟!.
والآن الكثير منا صار الدين عنده إرهاب وسفك دم اغتصاب ولهذا يعلن بلا مواربة
أنا لا أصلي أنا أتوضأ دون صلاة
وهذي شمالي أعف وأطهر ممن يصلي نهارا ويسرق ليلا خبز عيالي !
أنا لا أصوم …أنا صائم منذ سنين
أجوع وأكل لكني لا أبسمل عن لقمة … بالحرام .
انا لا أزكي …
فلمن … أين لي ؟
وحتى لحافي قصير على أرجلي .
هي تلخيص مكثف لحتالة في كيفية التعاطي مع الدين , لقد أفسدت الساسة الدين وقد أفسد الدين السياسة . مع التغير الجديد اكتشفنا أما كنا جميعا على خطأ أو أن من جاؤوا ضمن موجة التغير جاؤوا بدين جديد .
لقد مات الوطن والمواطن على أيدي مدعي الدين , مظاهرهم هي غير حقيقتهم حتى صارت اللحى والمسابح والخواتم والعمائم هي الدالة , فصارت الدائرة أكثر من المسجد تعبيرا عن الدين , وصارت الحسينية أكثر من الجامع رمزية للتدين ولهذا تبرأ الحجاج من صلاة وصوم وزكاة تجمعه مع هؤلاء .
ولأن القاموس فيه تفسيرات لا تعرف كنه ما حصل يضيف الحجاج تفسيرات جديدة متهما القاموس بها وليس الواقع :
– لا بأس القاموس يسمي سراق الأوطان طوائف , أو قوميات أو أحزابا … ويسمي الإخوان أخوانا أحقا هم أخوان !؟. الاخوان الشيعة والاخوان السنة والاخوان الاكراد اقتسموا بغداد .
فيصرخ رغم ضجيج التدافع وتطاحن المصالح ونهب البلد وسرقة القوة واللعب على الحبال وتمدد المليشيات وحراس المسجد ومرتزقة الجامع ومشعوذي الحسينية بأعلى صوته الذي جف كجسده معلنا الحرب بالقلم والكلمة :
– السراق الورعون , أسم الله على الجباه المدبوغة (بالإيمان ) , وأسم الله على المحبس في الخنصر , والمحبس في السبابة , من كثرة السب , وأسم الله على السبحة إن كانت سوداء سواد القلب , وإن كانت صفراء بلون الصحف الكذابة .
هذا ليس شعرا هذا صراخ لكن لا أحد يسمع وإن سمع لا يعي , الشعب بات مسحورا , صار عاقا , صار ميتا , وإلا كيف يسكت شعب ومجرمون يحكموه .. كيف يسكت شعب يدعي بطولات تأريخية لن يصنعها هو بل صنعها آباؤه . نعم هؤلاء الأبناء ليسوا أبناء أولئك الآباء
هذا الرجل ملَّ الصراخ حتى كاد يفقد صوته وملَّ الكتابة حتى مَلهُ الورق . ملَّ الأنين حتى سد الجيران شبابيكهم كي لا يفزعهم
– الله بداخلنا , لا فوق سماوات سبع
الله ضميري وضميرك
إن تؤمن يعني لا تكذب , يعني ألاَ تنهب
ألا تنهب
ولأن لا صوت يناغي صوته .. ولا جواب يرد على تساؤله
ينشد بأسى ولوعة :
– (إله العراقيين هنا يوما “شمس”
ما كان يغرب أو يشرق
قد ينطفي العراقيون هنا يوما
في سومر وبابل وأشور والبصرة
وقد لا يجدون مصباح “أديسون “
هناك في المنافي )
لعل ذلك الرجاء …التذكير بالأباء يكون شفيعه , لكن ما زالت الآذان مغلقة والألسن معقودة , لذلك لم تعد امامه من وسيلة للتغير غير أن يعلن إعتزاله الحياة والقعود بالبيت .
إنه حبس بمحض الإرادة يذكرنا برهين المحبسين أبي العلاء المعري
ولكن ببيان احتجاج مقتضب جدا : ( لن أخرج من بيتي احتجاجا إلى أن أموت , لن أقابل أحدا , لن أرد على الهاتف “عذرا للجميع “