26 نوفمبر، 2024 9:43 م
Search
Close this search box.

تأملات في الفكر السياسي الإسلامي

تأملات في الفكر السياسي الإسلامي

التأمل الثامن
تكملة موضوع الحاكمية.
في التأمل السابع ناقشنا علاقة القرآن بموضوع الحاكمية وتوصلنا الى نتيجة مفادها أن القرآن وفي جميع آياته التي تتحدث عن الحكم لم يتحدث عن الحاكمية كموضوع سياسي أو دستوري كما يدعي الخطاب الإسلاموي الرائج اليوم والحقيقة أن هذة المقولة ليست لاهوتية كما يزعم كهنه الإسلام السياسي بل هي مثال صارخ لمقولة إيديولوجية أي صادرة عن وعي زائف وحاملة لخطاب كاذب ومنافق من حيث أنها كمقولة تأويلية غير مطابقة لموضوعها وهو هنا النص القرآني.ومعروف أن أول من صاغ عقيدة الحاكمية الإلهية هو الباكستاني ابو الاعلى المودودي قبل أن ينقلها عنه ويدخلها الى الحقل التداولي للثقافة العربية المعاصرة سيد قطب المؤسس الثاني لحركة الإخوان المسلمين والذي جعل من نفسه سيفا للتخلف والرجعية مشهورا الى الآن بيد كل شذاذ الآفاق والمعوقين نفسيا من دعاة الإسلام السياسي.وبتنظيراته صارت الحاكمية عقيدة مشتركة لجميع التيارات الإسلاموية المتطرفة.المودودي والحاكمية.ولدالمودودي في مدينة “أورنك آباد الدكن”، بمقاطعة حيدر آباد عام1903 م ومات عام 1979 م.وكان أبوه سيد أحمد حسن مودود الذي ولد في دلهي بالهند سنة (1850م) وبعد ولادة المودودي بنحو عام اعتزل الأب الناس، ومال إلى العزلة التامة، فنشأ أبو الأعلى في ذلك الجو المنعزل، وتفتحت عيناه على تلك الحياة التقليدية.وقضى أبو الأعلى طفولته الأولى في مسقط رأسه في مدينة “أورنك آباد الدكن”، بمقاطعة حيدر آباد، وكان أبوه معلمه الأول، وقد حرص أبوه على تنشئته تنشئة دينية، واهتم بتلقينه قصص الأنبياء والتاريخ الإسلامي، وكان يصحبه إلى مجالس أصدقائه من رجال الدين.ولك أن تتصوركيف سينشا طفل في هذا الجو المتعصب حتى ان ابوه لم يقبل أن يتعلم ابنه في المدارس الإنكليزية الموجودة في ذلك الوقت خوفا من أن تتغير ثقافته الإسلامية وينشاة نشأة عصرية.فنشأ المودودي هذة النشاة اللتقليدية التي تشبه الى حد كبير نشاة اليهود المتعصبين في الجيتو اليهودي..مفهوم الحاكمية عند المودودي.
يقول الدكتور حسن حنفي في شرح الحاكمية عند المودودي:تعطى الحاكمية لله تصورا مركزيا للعالم. فالله قمة الكون خلقه ويحكمه ويسيطر عليه فالانبياء هم المعلنون عن هذه الحاكمية، ومعهم القادرون على السير على هداهم. وتنبع السيطرة على الكون بكل ما فيه حدا لا يستطيع معه أحد الخروج عنه، فلا تكن الا عبد الله ولا تأتمر الا بأمره ولا تسجد لاحد من دونه فانه ليس هناك من صاحب جلالة فالجلالة كلها مختصة بذاته جل وعلا، ولا شارع من دونه، فالقانون قانونه، ولا يليق التشريع الا بشأنه، ولا يستحقه الا هو، ولا ملك ولا رازق ولا ولي الا هو، وليس من دونه من يسمع دعاء الناس ويستجيب لهم، وليست مفاتيح الكبرياء والجبروت الا بيده، ولا علو لاحد ولا سمو في هذه الدنيا فكل من في السماوات والارض عباد أمثالك والرب هو الله وحده. فارفض كل أنواع العبودية والطاعة والخضوع لاحد من دونه، وكن عبد الله، قانتا مستسلماً لاوامره”.(د. حسن حنفي،أثر أبي الأعلى المودودي على الجماعات الدينية المعاصرة).
وتتمثل حاكمية البشر في ثلاثة نظم: العلمانية، والقومية، والديموقراطية وهي النظم التي سيطرت على الحياة السياسية في الغرب. فالعلمانية تعني عزل الدين عن الحياة الاجتماعية للافراد وقصره فقط بين العبد وربه. أما القومية فانها تقوم على مصلحة الامة ورغباتها بصرف النظر عن مصالح الامم الاخرى ومن ثم نشبت الحروب بين القوميات، والويل للمغلوب فلا مكان للضعيف. أما الديموقراطية هي الدولة الحديثة التي تتمثل فيها حاكمية البشر في الغرب والتي يرغب المسلمون في تقليدها. وهي نظم كلها ترفض الحاكمية لله وبالتالي تجعل الفرد خاضعا لشهواته ورغباته، وتجعل المجتمع خاضعا لاهوائه ومصالحه. وفي غياب حاكمية الله لا يوجد مكان الا للشيطان الذي يبشر بالالحاد والعنف.(د. حسن حنفي،أثر أبي الأعلى المودودي على الجماعات الدينية المعاصرة).
ونتسال الآن ياترى ماذا لوولدالمودودي في عائلة هندوسية متعصبة؟بالطبع سيكون متعصبأهندوسيا!
يرى البليهي، أن مشكلة المسلم كامنة في انغلاقه ووثوقيته، واستعلائه الكاذب؛ فنحن رغم ضعفنا المخزي، وهواننا المكشوف، مازلنا نتوهم أننا مركز العالم، وأن الحقائق في جانبنا واضحة، وأن العالم لا يريد أن يعرف الحقيقة الجلية، وسر هذا الانتفاش الكاذب مصدره التربية الأم؛ ذلك أن البرمجة التي يخضع لها الطفل، والمعرفة التلقائية التي يتلقاها من المؤسسات ما قبل المدرسية، تجعله يتشرب جرعات كبيرة من بادئ الرأي المناقض لمقتضى العقل والواقع، لكن الأخطر من ذلك أنه يمتص أوهام الامتياز والاصطفائية. كما نرى قدرة النسق على تزيين هذا الأسر الثقافي، في حين أن الأفراد لا يدركون ذلك، بل يعتقدون على العكس منه، أن رؤوسهم تستضيء دوما بالحقائق، بل ويزدادون عجبا من الآخر؛ فكيف إذن لا يشاطروهم نفس القناعات، على وضوحها ونصاعتها.(إبراهيم البليهي بنية التخلف، منشورات كتاب الرياض العدد 16 أبريل 1995م).
للحديث بقية.

أحدث المقالات