23 ديسمبر، 2024 5:30 م

تأملات في الاية ثلاثون من سورة البقرة – 1 / استفهامات الملائكة

تأملات في الاية ثلاثون من سورة البقرة – 1 / استفهامات الملائكة

تشدني الاية الثلاثون من سورة البقرة الى بحر من التأملات يصلح ليكون قاعدة للدروس و العبر ، فما حاجة من لا حاجة له بمخلوفاته ان يخبر الملائكة (بسم الله الرحمن الرحيم ، اني جاعل في الارض خليفة) و هو الكامل كل الكمال في صفاته ، عالم الغيب و الشهادة يعلم ما كان و ما يكون و ما سيكون ، الا يعلم ان رد ملائكته سيكون ( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك) ، من المؤكد ان علمه تعلقة بأرادته فلا هي تتقدم على علمه و لا هو يتقدم على ارادته، لذلك فسبحانه تعالى يعلم ان رد ملائكتة سيرجع الى شيء من التعجب والاستفهام ( اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء) و و المقارنة ( و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك)، فما كان رده جل و علا الا ان قال ( اني اعلم ما لا تعلمون).
استدل من الاية الكريمة ان ادم ( عليه السلام ) اما كان مخلوقا قبل هذا الحوار لان بلاغ الباري عز وجل لملائكته عن الجعل يمكن تفسيره بمعنى التنصيب او التكليف او التشريف و و يكلف المرء بأمر و هو لم يظهر الى الوجود بعد و هذا لا يخالف رأي جمهور المفسرين الذين بينو ان الجعل هنا بمعنى الخلق ( والله اعلم) ، و لانه تعالى اذا اراد شيئا يقول كن فيكون فمن الممكن ان يكون ادم خلق ابان الحوار او لحظة البدء به ، و الدليل على ذلك قوله تعالى ( و علم ادم الاسماء كلها) بمعنى ان ادم كان يسمع و يرى بحضوره المادي.

استفهام الملائكة ( اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء) يثير عدد من التساؤلات ، منها اذا كان ابونا ادم قد خلق توا ، من اين علمت الملائكة بالفساد وسفك الدماء الذي سيقع على الارض؟ يرى بعض المفسرون ان الله سبحانه و تعالى خلق الجن قبل البشر و قد سكنوا الارض قبلنا و هم من فسد و سفك الدماء و الذي كان سببا كافيا لاستفهام الملائكة. قد لا اتفق مع هذا الرأي الى حد ما لا أعلمه ، ذلك ان صفات الجن تختلف عن صفات البشر و لا يمكن لنا ان نجزم ان مخلوقات النار شبيهة بنا و لو جاز ذلك لجاز ان تكون مخلوقات النور تسري عليها نفس الاحكام والانظمة التكوينية للبشر و من حيث اننا لم نسمع او نقرأ نصا قرانيا يقول بزواج الملائكة او تكاثرهم في عالمهم الخاص، اذا ليس هناك دليل ناهض حول تشابه البنية التكوينية بين الجن و البشر ، على الرغم من ورود اكثر من نص قراني اشار الى امكانية تشكيل الملائكة على هيئة البشر ظاهريا.

يعلم كافة المسلمون ان ساعة الحساب لم تحن بعد و ان بعد الحساب سيعلم كل مخلوق مصيره اما في الجنة و اما في النار ، و لكن الصادق الامين المصطفى محمد (صلى الله عليه وعلى اله وسلم ) تحدث عن معراجه الى السماء العليا و مروره بالجنة و النار و تحدث عن قاطنيها ، الا يتعارض هذا الحديث مع النص القراني ؟ ظاهريا نعم على افتراض ان الله سبحانه و تعالى لم يرفع الحجب ليطلع المصطفى (صلى الله عليه وعلى اله و سلم ) ليستشرف المستقبل، و لكن حورات المصطفى كانت مع الملائكة خزنة النار و النار اللذان كانا يقومان بدورهما المكلفان به بشكل طبيعي.
عودة على ذي بدء ، هل خلق ادم قبل حوار الباري عز و جل مع مخلوقاته ؟ و من اين للملائكة معلومات عن سفك الدماء والفساد؟ و من اولئك اللذين اطلع عليهم المصطفى (ص) في الجنة و في النار؟ للاجابة على كل هذه التساؤلات و غيرها لابد لنا من الربط بين مجمل الاحداث و تفاصيلها لاصابة كبد الحقيقة و الله اعلم، لان هذا الموضوع يجرني الى ما بعد نزول ادم و تكاثر البشرية و فقا للشرع و علاقته بحور العين التي وعد الله المؤمنين كزوجات لهم في الجنة، و هنا نسأل اذا كانت حور العين من جنس اخر غير جنس البشر ، فكيف يتم التزاوج بينها و بين البشر؟ لا اتفق مع القائلين باثيرية الاجسام في السماء العليا ،بعد ظهورها المادي لان ادم عليه السلام كان حاضرا حضورا ماديا ابان الحوار و كذلك الرسول الاعظم الذي كان قاب قوسين او ادنى كان حاضرا بدمه ولحمه و لا يفوتنكم رفع النبي عيسى (ع) الذي لم تحن ساعة موته بعد.

ابونا ادم هو الثامن ، حديث قرأته لسيد الفقهاء وامام المحدثين سيدي و مولاي الامام جعفر الصادق، اجده الاكثر مقبولية في فهمي و ادراكي و يعطي جوابا شافيا لكل تساؤلاتنا السابقة و بلا اعجاز ، اي ان عالمنا هو الثامن من بعد سبعة عوالم ، اي ان ابونا ادم الذي خلقنا منه ليس هو ادم الاول الذي لانعرف عنه شيء بل ليس لابونا ادم اي علاقة به سوى انهما من خلق الله. تبدل ادم ثمان مرات و لم تتبدل الملائكة الذين يشهدون على خلق الله بكل افعالهم و هذا ما يفسر استفهام الملائكة ( اتجعل فيها ….) والمقارنة ( ونحن نسبح بحمدك …)

علم ادم الاسماء كمن زق العلم زقا ثم قال( انبؤني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين) ، يقول جمهرة من المفسرين بأن سبحانه و تعالى علم ادم الاسماء ( النبات و الحيوان والجماد و ما الى ذلك) ، و من حيث لا يستقيم عندي الطلب الالهي من الملائكة اعلامه بأسماء هؤلاء ( من هؤلاء) و علاقته بصدق الملائكة في طرحهم السابق ( اتجعل فيها..) الى قوله ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) ، ما هو الربط بين اسماء العلم مثلا و سفك الدم الذي اشارة له الملائكة و ما علاقة اسماء النبات و الحيوانات و تسبيح الملائكة وتقديس خالقهم؟ و هؤلاء هذه لا تشير الى ما ذكره جمهرة من المفسرين و انما تشير الى مجموعة مذكرة ( ذكور) ، و الاسماء تقع في تصنيفات المؤنث في السؤال تقول ما هي الاسماء و لاتقول ماهو الاسماء. و انبؤني باٍسماء هؤلاء ضمنا تدل على مجموعة من الصور المعروضة و ليس الكلمة و معناها ، اذا كيف لمن اطلع على القتل والدم و الفساد بكافة انواعه يكون عاجزا عن تفسير او تسمية بعض الصور بمسمياتها و هو في برزخ اعلى من المخلوقات التي ادنى منه؟ من جانب اخر ردا على مقارنة الملائكة لابد لهؤلاء الذين عرضت صورهم ان يكونوا اعظم تقديسا و تسبيحا لله من الملائكة حتى نفهم قوله ( اني اعلم ما لا تعلمون).

اذا من هؤلاء؟ 
(سنتعرض اليه في مقالنا القادم ان شاء الله)