يمثل الذكاء الاصطناعي في العصر الرقمي فرصة استثنائية لترسيخ مكانة اللغة العربية وتعزيز حضورها في فضاءات التقنية والمعرفة؛ غير أن هذه الفرصة لا تخلو من تحديات لغوية وثقافية وتكنولوجية، تستدعي تضافر الجهود بين الباحثين والمطورين والمربين.
فإن أُحسن الاستثمار، واعتدل التعاون، استطاعت العربية أن ترتقي بهذا المدّ التكنولوجي دون أن تفقد هويتها أو تفتقر إلى ثرائها.
تشهد البشرية اليوم تحوّلاً معرفياً قادته ثورة الذكاء الاصطناعي التي تسللت إلى تفاصيل الحياة، لا سيما في ميادين التعليم والثقافة والمعرفة.
ومع تنامي الاعتماد على تقنيات معالجة اللغة الطبيعية والترجمة الآلية والتصحيح اللغوي، تبرز ضرورة التوقف عند تأثير هذه الأدوات على العربية، وهي التي اختصّت بعمق المعنى، وتعقيد البنية، وغنى التراث.
لقد فتح الذكاء الاصطناعي آفاقاً غير مسبوقة أمام اللغة العربية، مكّنها من تطوير أدوات تعليمية ذكية، والارتقاء بجودة الترجمة، وتحليل النصوص بضخامة ودقة لم تكن ممكنة فيما مضى.
ولعل هذه المكتسبات أسهمت في تعميم حضور العربية، وتيسير تعليمها، وتغذية المحتوى الرقمي بها، إذ باتت تقنيات التصحيح والتشكيل الذكي – كـ “تشكيل” و”قلم” و”قطرب” – تقدم دعماً نحوياً وإملائياً فورياً، وتُعزز من فهم المتعلّم عبر شرح الأخطاء.
وقد كشفت دراسة لجامعة السلطان قابوس عام 2024 عن أن الطلاب الذين استعانوا بتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعلّم العربية، أحرزوا تحسّناً بنسبة 35% في مهارات الكتابة والتعبير مقارنة بمن اقتصروا على الطرائق التقليدية.
لكن، وعلى الرغم من هذه الإنجازات، ما تزال العربية تواجه تحديات جمّة في حضرة الذكاء الاصطناعي، يعود بعضها إلى خصوصيتها اللغوية، وتعدد معاني مفرداتها، وتعقيدات الإعراب والتشكيل.
فتلك الخصائص، وإن كانت من أسرار جمالها، فإنها تستدعي مقاربات تقنية أكثر تأنّياً وفهماً لطبيعة اللغة.