9 أبريل، 2024 7:12 ص
Search
Close this search box.

تأملات بَصْريّة

Facebook
Twitter
LinkedIn

ضايقت دماء الجنود الحوت، فسلك جانب الخور، ولاذ بشاطئ جديد لم يره من قبل. حمله الموج العاتي وهو نائم إلى الجرف، وما أن سقط أو ل شعاع من الشمس على الجلد الطري حتى إعتلى ظهره مئات الأولاد. سارت جثامين الشهداء شمالاً إلى النجف، وسار الشقاوات بالسكاكين إلى الحوت. بكى على الديار قبل أن يتحول إلى نعش جديد، حملوه في الزيل الكبير، ونصبوه ميتاً على مطالع المدينة القادمة من الزبير. اعتلى ظهره جندي هارب، وأدخل حربته في العنق. ترملت الحروب، وخلع الجنود الخاكي وساروا إلى طريبيل العزيزة. رمال وحصى، لم تنبت حول قبره زهرة واحدة، ولم تنم عنده عوسجة نادمة. لم يلتق أمامه عاشق أو عابر سبيل تائه. حمّارة الليل. مهربون، وسكارى. كان الحوت يذوي سنةً بعد سنة، حتى بانت عظام الصدر من شيش التسليح. انتظرَ، عسى أن تأتي إليه فتاة من الكلية، حتى سقطت أسنانه، وبانت الخرق من اللسان تتلوى في الريح. التفت إلى الجارفات، وسويت الضلوع  بالحصى.
ندخل المدينة من مستشفاها الاستعماري الكبير. هنا عمل المصور جبار أربعين سنة يلتقط الصور للغائبين، حتى طواه سريرٌ أبيض مجهول. ضاعت الجثوم، ومعها الرسوم. السجن. عافت العيون الكرى، وسارت الأغاني هادرة كالنهر في الليل. يا نجمةَ الصُبح، ما بين النجم، لالي. لم تتلألأ نجمةٌ في ليالي البصرة. كانت الخيول المجنحة تأتي ليلاً، تدكُّ حوافرها أركان المجيبرة. يراها الصبيان في الصباح نافقة على الشط. هناك، وفي ذاك القصر على المنحدر كانت تعيش أميرة الراقصة. لم نر منها غير مصباح القصر. عاشت تنتظر النجوم، حتى تحول القصر وصاحبته إلى عمودين من الملح. في هذه الساحة، كان وفيق يقف في انتظار أنس الذي ذهب صغيراً إلى الكويت ولم يعد. كان يعلق يومياً على حبل أمام الدكان الملابس الرياضية للحبيب الغائب، لعله يعود كما تعود الأغاني إلى الشارع. إنما للصبرِ حدود. هذا البيت العتيق عيادة أسنان لطبيب يهودي، وجد مقتولاً فيه. دونه تماماً، وعلى هذه العتبة يجلس كل صباح الصبي يوسف. يقف ريحان العبد متعبداً، حتى رقّ له الصبي يوماً فناداه إلى البيت. ما أن تلتفت يميناً حتى ترى ما بقي من رسوم السيف. مجلدون، خرّازون، وخصّافون. إلى هنا كانت تأتي نسوة بشار في نهارات الصيف الدبقة، يؤذين حياء طالبات المتوسطة. طالما وقفت هنا أنظر إلى الحبل المعلق في الواجهة. روبنسون كروسو المصورة. كنت أصطحب مرسيدس معي إلى البيت. أستيقظ في الصباح، ترتدي ثيابها معي، وأضعها في جديدٍ على الغلاف. تسير الخطى الذابلة عصراً حتى معهد المعلمات. أراهن يتقافزن على الدرج. لم يبق منهن غير بياض بطة الساق. هنا اعترض الولد بدراجته سيما الهندية. جمدت الصورتان، وسار هو إلى قاعة امتحان الثالث البكالوريا، وسارت هي إلى امتحان الخامس العلمي. غاب الولد. غابت سيما. وكثرت الدراجات.

 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب