23 ديسمبر، 2024 2:38 م

من حق الصحفيين اليوم ان يحتفلوا بالعيد السنوي للصحافة العراقية .. وان يتفاخروا امام جميع صحفيي العالم بأنهم انجزوا اعلاما مميزا ، حرا ، ومؤثرا ، وانهم تجاوزوا تلك المراحل السوداء التي انعدمت فيها الصحافة في العراق ، فلا نرى إلا صحافة السلطة ممثلة بـ(اربع صحف) تحمل الاخبار نفسها ، والصور نفسها ، والاعمدة نفسها .. والتي تمجد القائد الضرورة ، وتسبح بحمده وتدعوا الى طاعته وبيعته الدائمة ،.. عندما كنا نقرأ عمودا فيه رأي جريئ في احدى الصحف  المحلية يتناول شأنا داخليا او يبدي وجهة نظر في قضية ما .. تـُثار امامنا مجموعة اسئلة .. ترى كيف كتب هذا الصحفي هذا الرأي ؟ ، وما  سيكون مصيره ؟.. وكيف سمح رئيس التحرير “المُنتقى بعناية” مرور مثل هذا الرأي ؟.. بل حتى مصير  رئيس التحرير لم يكن مأمونا في مثل هذه الحالة .. لذلك لانجد امامنا الا تفسيرا واحدا ، وهو “التوجيه” من فوق بكتابة عمود بهذا الاسلوب لايهام الناس بأن لدينا صحافة ديمقراطية .. وهذا عادة نادرا مايحصل ، لم نطلع انذاك على صحيفة حزبية او مستقلة .. ولم نعرف وسيلة اخرى تغرد خارج سرب الموظفين الصحفيين الذين يتسلمون توجيهاتهم من رئيس التحرير او ضابط الامن .. وهؤلاء يتسلمون التوجيهات من المكتب الصحفي لرئيس الجمهورية ، القائد العام للقوات المسلحة ، رئيس البرلمان ، رئيس المجلس الاعلى للقضاء ، رئيس محكمة الثورة سيئة الصيت والسمعة ..الخ ..الخ .

لذلك لم يكن لصحافتنا في العراق طعم ، ولا لون ، ولا رائحة .. يستثنى من ذلك الصحافة الثقافية التي طالما حاول كتابها تضمين أفكارهم بين السطور .. بما لاتستطيع السلطات الرقابية كشفه . وإزاء هذا الواقع نستطيع ان نقول ان لاصحافة في العراق زمن الدكتاتورية البغيض .. واقصد بذلك جميع انواع الصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة .. أما الصحافة الالكترونية فانها ممنوعة منعا باتا ، بسب ماتخلقه من بلبلة ووجع رأس للسلطات .

حتى اذا مضت تلك الحقبة السوداء ، وحصل التغيير ، اطلت علينا اسماء وعناوين لصحف لم نسمع بها من قبل .. وبعضها مانزل الله بها من سلطان .. وهي حرة ومستقلة .. وغير مرتبطة بأية سلطات .. وانتشرت هذه الصحف لدى الباعة ، وبين أيدي الناس ، وتعددت بعد ذلك العناوين والاسماء .. وتولدت الحيرة .. اي الصحف نقرأ ، وضاع علينا الخيط والعصفور ، فلا نكاد نمسك بالطرف الاول من الخيط حتى يظهر لنا عصفور آخر بألوان جديدة .. فبدل الصحف الاربع ، بدأنا نطلع على (40) صحيفة .. وتضاعف هذا العدد ليصبح (80) صحيفة .. وكبر مرة اخرى ليكون (120) صحيفة .. قسم منها دولي يصدر في بغداد وعواصم اخرى .. وهكذا كبر عدد الاذاعات .. وانتشرت في بيوتنا ومقاهينا فضائيات تبث برامجها من اقصى العالم . وصرنا نتابع اخبار واحداث القارات السبع ، وبسبب هذا العدد الكبير من وسائل الاعلام ، برزت الحاجة الى صحفيين واعلاميين جدد ، فدخل المهنة من أُعجب بها ، ومن تولع .. ومن توسل ، لانه لايملك وسيلة اخرى للعيش .. وافتتحت الكليات اقساما جديدة للاعلام .. بعد ان كانت مقتصرة على قسم واحد في كلية الاداب جامعة بغداد .. وهو غير مرغوب به لانه “ميوكل خبز” .. وقد شمل التطوير هذا القسم ليصبح كلية للاعلام ، وهي الاولى في العراق .. وباختصاصات مختلفة ، وبدأ الشارع يموج باعدا الصحفيين والاعلاميين العراقيين .. وكامراتهم تجوب الشوارع والساحات .. تبحث عن رأي حر للمواطن الذي تفاعل مع الوضع الجديد ولم يعد يخشى السلطات وقائمة الممنوعات .. وظهر لدينا محللون سياسيون من الدرجة الاولى بعد ان كنا نفتقد لامثالهم .. ونفتح افواهنا اعجابا باي محلل عربي نستمع له ، واقول نستمع ، لاننا لانرى ولا نشاهد ..فذلك ممنوع ، وتقنية “الستلايت” لم تدخل بيوتناانذاك خوفا علينا من القائد الضرورة ، كي لاتفسد اخلاقنا ..ونطّلع على الافكار الهدامة .

واليوم لدينا اكثر من (30) فضائية محلية تدار من القطاع الخاص .. وتمول من مصادر معلومة وغير معلومة .. وتكاد الفضائية الحكومية الوحيدة ، او بشكل ادق الممولة من الحكومة . هذه الفضائيات تسبح في فضاء واسع فيه مختلف الاراء والتوجهات .. فمرة دينية ، واخرى علمانية ، وثالثة حزبية ، ورابعة تقول انها مستقلة ، وخامسة معارضة ، وسادسة معادية ، واخرى داعمة للارهاب والارهابيين .. وتبث انجازاتهم في تدمير العراق وقتل العراقيين .

تحية عطرة لجميع صحفيي العراق .. وتحية لصحافتنا العراقية .. والرحمة لشهداء الصحافة في كل مكان وزمان.